(وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ) يداومون على فعلها ويراعون أوقاتها ، فأمر بالمحافظة عليها كما أمر بالخشوع فيها لذلك كرّر ذكر الصلاة.
(أُولئِكَ) أهل هذه الصفة (هُمُ الْوارِثُونَ) يوم القيامة منازل أهل الجنة من الجنة.
وروى أبو هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : ما منكم من أحد إلّا وله منزل في الجنة ومنزل في النار ، فإن مات فدخل النار ورث أهل الجنة منزله ، فذلك قوله تعالى (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ) (١).
وقال مجاهد : لكل واحد منزلان : منزل في الجنة ومنزل في النار ، فأمّا المؤمن فيبنى منزله الذي له في الجنة ، ويهدم منزله الذي هو في النار ، وأما الكافر فيهدم منزله الذي في الجنة ، ويبنى منزله الذي في النار.
وقال بعضهم : معنى الوراثة هو أنّه يؤول أمرهم إلى الجنة وينالونها كما يؤول أمر الميراث إلى الوارث.
(الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ) أي البستان ذا الكرم ، قال مجاهد : هي بالرومية ، عكرمة : هي الجنة بلسان الحبش ، السدّي : هي البساتين عليها الحيطان بلسان الروم.
وفي الحديث (٢) : إن حارثة بن سراقة قتل يوم بدر فقالت أمّه : يا رسول الله إن كان ابني من أهل الجنة لم أبك عليه ، وإن كان من أهل النار بالغت في البكاء ، فقال : «يا أمّ حارثة إنّها جنان وإنّ ابنك قد أصحاب الفردوس الأعلى من الجنة» [١١].
أخبرني أبو الحسن (٣) عبد الرّحمن بن إبراهيم بن محمد الطبراني بها قال : حدّثنا أبو عبد الله محمد بن يونس بن إبراهيم بن النضر المقري قال : حدّثنا العباس بن الفضل المقري قال : حدّثنا أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم قال : حدّثنا يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي قال :حدّثني عبد الله بن لهيعة الحضرمي قال : حدّثنا عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير في قول الله سبحانه (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) يعني قد سعد المصدّقون بتوحيد الله سبحانه ، ثم نعتهم ووصف أعمالهم فقال عزّ من قائل (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) يعني متواضعين لا يعرف من على يمينه ولا من على يساره ، ولا يلتفت من الخشوع لله (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) يعني الباطل والكذب (وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ) يعني الأموال كقوله سبحانه في الأعلى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) (٤) يعني من ماله (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) يعني عن الفواحش ، ثم قال (إِلَّا
__________________
(١) كنز العمّال : ٢ / ٨.
(٢) مسند أحمد : ٣ / ٢١٥. بتفاوت.
(٣) في النسخة الثانية : أبو العباس.
(٤) سورة الأعلى : ١٤.