ومنهم من قال : خلق الله سبحانه الخلق كلّهم لأجل محمد صلىاللهعليهوسلم ، يدلّ عليه ما حدّثنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الرومي قال : حدّثنا أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد قال : حدّثنا هارون بن العباس الهاشمي قال : حدّثنا محمد بن ياسين بن شريك قال : حدّثنا جندل قال : حدّثنا عمرو بن أوس الأنصاري عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيّب عن ابن عباس قال : «أوحى الله سبحانه إلى عيسى عليهالسلام : يا عيسى آمن بمحمد ومر أمّتك أن يؤمنوا به ، فلولا محمد ما خلقت آدم ، ولو لا محمد ما خلقت الجنة والنار ، ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه : لا إله إلّا الله محمد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسكن».
وسمعت محمد بن القاسم الفارسي قال : سمعت محمد بن الحسن بن بهرام الفارسي يقول : سمعت القنّاد (١) يقول : خلق الله سبحانه الملائكة للقدرة ، وخلق الأشياء للعبرة (٢) ، وخلقك للمحبة له ، ومن العلماء من لم يصرّح القول بذلك ولكنه قال : نبّه الله سبحانه في غير موضع من كتبه المنزلة أنّه خلقهم لخطر عظيم مغيّب عنهم لا يجلّيه حتى يحلّ بهم ما خلقهم له ، وهذا معنى قوله سبحانه (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) الآية.
أخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك قال : حدّثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدّثنا داود بن رشيد ، وأخبرني محمد بن القاسم قال : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن مريس (٣) قال : حدّثنا الحسن بن سفيان قال : حدّثنا هشام ابن عمار قال : حدّثنا الوليد بن مسلم قال : حدّثنا ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة عن حنش (٤) ابن عبد الله الصنعاني عن عبد الله بن مسعود أنّه مرّ بمصاب مبتلى فقرأ في أذنه (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) حتى ختم السورة فبرئ ، فقال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ماذا قرأت في أذنه؟» فأخبره فقال : «والذي نفسي بيده لو أنّ رجلا موقنا قرأها على جبل لزال» (٥) [١٨].
ثمّ نزّه نفسه سبحانه عمّا وصفه به المشركون من اتخاذ الأنداد والأولاد ، ونسبه إليه الملحدون من السفه والعبث فقال عزّ من قائل (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) يعني الحسن العظيم (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ) قال أهل المعاني : فيه إضمار ، مجازه : فلا برهان له به (فَإِنَّما حِسابُهُ) جزاؤه (عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ).
__________________
(١) في النسخة الثانية (أصفهان) : العبّاد.
(٢) في النسخة الثانية : للغرّة.
(٣) في النسخة الثانية : قريش.
(٤) في النسخة الثانية : جيش.
(٥) تفسير القرطبي : ١٢ / ١٥٧.