ليس فيها ساكن؟ فأنزل الله سبحانه (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ) بغير استيذان (فِيها مَتاعٌ) منفعة (لَكُمْ) واختلفوا في هذه البيوت ما هي؟ فقال قتادة : هي الخانات والبيوت المبنيّة للسائلة ليأووا إليها ويؤووا أمتعتهم إليها.
قال مجاهد : كانوا يضعون بطرق المدينة أقتابا وأمتعة في بيوت ليس فيها أحد ، وكانت الطرق إذ ذاك آمنة فأحلّ لهم أن يدخلوها بغير إذن.
محمد بن الحنفيّة : هي بيوت مكة ، ضحّاك : الخربة التي يأوي المسافر إليها في الصيف والشتاء ، عطاء : هي البيوت الخربة ، والمتاع هو قضاء الحاجة فيها من الخلاء والبول ، ابن زيد : بيوت التجّار وحوانيتهم التي بالأسواق ، ابن جرير : جميع ما يكون من البيوت التي لا ساكن لها على العموم لأنّ الاستيذان إنما جاء لئلّا يهجم على ما لا يحب من العورة ، فإذا لم يخف ذلك فلا معنى للاستئذان.
(وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا) يكفّوا (مِنْ أَبْصارِهِمْ) عن النظر الى ما لا يجوز ، واختلفوا في قوله (مِنْ) فقال بعضهم : هو صلة أي يغضّوا أبصارهم ، وقال آخرون : هو ثابت في الحكم لأنّ المؤمنين غير مأمورين بغضّ البصر أصلا ، وإنّما أمروا بالغضّ عمّا لا يجوز.
(وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) عمّن لا يحلّ ، هذا قول أكثر المفسّرين.
وقال ابن زيد : كلّ ما في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنا إلّا في هذا الموضع فإنّه أراد الاستتار يعني : ويحفظوا فروجهم حتى لا ينظر إليها.
ودليل هذا التأويل إسقاط من (ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ) عليم (بِما يَصْنَعُونَ).
أخبرني ابن فنجويه في داري قال : حدّثنا عبد الله بن يوسف بن أحمد بن مالك قال : حدّثنا الحسن بن علي بن زكريا قال : حدّثنا أبو الربيع الزهراني قال : حدّثنا إسماعيل بن جعفر قال : حدّثنا عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن حنطب عن عبادة بن الصامت أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «اضمنوا لي ستّا من أنفسكم اضمن لكم الجنة : اصدقوا إذا حدّثتم ، وأوفوا إذا وعدتم ، وأدّوا ما ائتمنتم ، واحفظوا فروجكم ، وغضّوا أبصاركم ، وكفّوا أيديكم» (١) [٢٧].
وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شيبة قال : حدّثنا الحضرمي قال : حدّثنا عبد الوارث قال : حدّثنا أبي قال : حدّثنا عنبسة بن عبد الرّحمن قال : حدّثنا أبو الحسن أنه سمع علي بن أبي طالب رضياللهعنه يقول : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «النظر إلى محاسن المرأة سهم من نبال إبليس مسموم ،
__________________
(١) مسند أحمد : ٥ / ٣٢٣.