(وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ) أي الرسول ، وقال زيد بن علي : القرآن ، وقال عكرمة وسفيان بن عيينة ووكيع والحسين بن الفضل : يعني الشيب ، وفيه قيل :
رأيت الشيب من نذر المنايا |
|
لصاحبها وحسبك من نذير (١) |
فحدّ الشيب أهبة ذي وقار |
|
فلا خلف يكون مع القتير |
وقال آخر :
وقائلة تبيض والغواني |
|
نوافر عن معاينة القتير (٢) |
فقلت لها المشيب نذير عمري |
|
ولست مسودا وجه النذير |
(فَذُوقُوا) أي العذاب (فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ. إِنَّ اللهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ. هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً) غضبا (وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً. قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ) أي في الأرض (أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً) يأمرهم بذلك (فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو والأعمش وحمزة (بَيِّنَةٍ) على الواحد ، وقرأ غيرهم (بينات) بالجمع ، وهو اختيار أبي عبيد قال : لموافقة الخط. فإني قد رأيتها في بعض المصاحف بالألف والتاء. (بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً. إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً) ، روى مغيرة عن إبراهيم قال : جاء من أصحاب عبد الله بن مسعود إلى كعب ليتعلم من علمه ، فلما رجع قال عبد الله : هات الذي أصبت من كعب. قال : سمعت كعبا يقول : إنّ السماء تدور في قطبة مثل قطبة الرحا في عمود على منكب ملك. فقال عبد الله : وددت أنك انفلتّ من رحلتك براحلتك ورحلها ، كذب كعب ما ترك يهوديته بعد ، إنّ الله عزوجل يقول : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا) الآية ، إن السماوات لا تدور ، ولو كانت تدور لكانت قد زالت.
(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) وذلك أنّ قريشا لما بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا : لعن الله اليهود والنصارى أتتهم الرسل فكذبوهم ، فو الله لئن أتانا رسول لنكونن أهدى دينا منهم ، وهذا قبل قدوم النبي صلىاللهعليهوسلم ، فلما بعث محمد صلىاللهعليهوسلم كذبوه فأنزل الله عزوجل : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ) ، يعني اليهود والنصارى ، (فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ) : محمد صلىاللهعليهوسلم (ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً) بعدا ونفارا.
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٤ / ٣٥٤.
(٢) تفسير مجمع البيان : ٨ / ٢٤٩.