: فتبادروا إلى الطريق ، (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) وقد طمسنا أعينهم؟ قال ابن عباس ومقاتل وعطاء وقتادة : يعني ولو نشاء لتركناهم عميا يترددون ، فكيف يبصرون الطريق حينئذ؟
(وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ) ، أي أقعدناهم في منازلهم قردة وخنازير ، والمسخ تحويل الصورة ، (فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ) إلى ما كانوا عليه ، وقيل : لا يستطيعون الذهاب ولا الرجوع.
(وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ) ، قرأ الأعمش وعاصم وحمزة بالتشديد. غيرهم بفتح النون وضم الكاف مخففا. أي يرده (إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ) شبه حال الصبي الذي هو أول الخلق ، وقيل : يصيّره بعد القوة إلى الضعف ، وبعد الزيادة إلى النقصان ، وبعد الحدة والطراوة إلى البلى والخلوقة ، فكأنه نكس حاله.
وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن حبيش المقرئ قال : حدّثنا أبو القاسم بن الفضل قال : حدّثنا محمد بن حميد قال : حدّثنا مهران بن أبي عمر عن سفيان : (وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) قال : إذا بلغ ثمانين سنة تغيّر جسمه. (أَفَلا يَعْقِلُونَ. وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) لأنه يورث الشبهة.
أخبرني ابن فنجوية قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن إسحاق قال : حدّثنا حامد بن شعيب عن شريح بن يونس قال : حدّثنا يحيى بن عبد الملك بن أبي عيينة عن أبيه عن الحكم قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يتمثل بقول العباس بن مرداس : «أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة». قالوا : يا رسول الله إنما قال : ... بين عيينة والأقرع. فأعادها وقال : ... «بين الأقرع وعيينة». فقام إليه أبو بكر رضياللهعنه فقبل رأسه وقال : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) [٨٢] (١).
وأخبرنا الحسين بن محمد الحديثي قال : حدّثنا أحمد بن جعفر بن حمدان قال : حدّثنا يوسف بن عبد الله بن هامان قال : حدّثنا موسى بن إسماعيل قال : حدّثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم كان يتمثل بهذا البيت : «كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا» (٢).
فقال أبو بكر : يا نبي الله ، إنما قال الشاعر : كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا فقال أبو بكر أو عمر : أشهد أنك رسول الله ، يقول الله عزوجل : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ).
__________________
(١) الدر المنثور : ٥ / ٢٦٨ بتفاوت.
(٢) تفسير ابن كثير : ٣ / ٥٨٥.