ما بينها وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنّا ، ورسول الله والمسلمون في [نحور] عدوّهم لا يستطيعون أن ينصرفوا إلينا عنهم إذا أتانا آت. قالت : فقلت : يا حسّان إنّ هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن وإنّي والله ما آمنه أن يدلّ على عورتنا من ورائنا من اليهود ، وقد شغل عنّا رسول الله صلّى الله عليه وأصحابه فانزل إليه فاقتله.
فقال : يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب ، والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا. قالت : فلمّا قال ذلك لي ولم أر عنده شيئا احتجزت ثمّ أخذت عمودا ثمّ نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتّى قتلته فلمّا فرغت منه ، رجعت إلى الحصن فقلت : يا حسّان انزل إليه فاسلبه فإنّه لم يمنعني من سلبه إلّا أنّه رجل ، قال : ما لي بسلبه من حاجة يا بنت عبد المطلب.
قالوا : وأقام رسول الله صلّى الله عليه وأصحابه في ما وصف الله عزوجل من الخوف والشدّة لتظاهر عدوّهم عليهم وإتيانهم من فوقهم ومن أسفل منهم ، ثمّ إنّ نعيم بن مسعود بن عامر بن [أنيف] بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال بن حلاوة بن أشجع بن زيد (١) بن غطفان أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فقال : يا رسول الله إنّي قد أسلمت وإنّ قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت ، فقال له رسول الله صلّى الله عليه : إنّما أنت فينا رجل واحد ، فخذّل عنّا إن استطعت فإنّ الحرب خدعة.
فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني قريظة ، وكان لهم نديما في الجاهلية ، فقال لهم : يا بني قريظة ، قد عرفتم ودّي إيّاكم وخاصّة ما بيني وبينكم ، قالوا : صدقت لست عندنا بمتّهم ، فقال لهم : إنّ قريشا وغطفان جاءوا لحرب محمّد ، وقد ظاهرتموهم عليه ، وإنّ قريشا وغطفان ليسوا [كهيئتكم] ، البلد بلدكم به أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تحولوا عنه إلى غيره ، وإنّ قريشا وغطفان أموالهم وأبناؤهم ونساؤهم بغيره ، وإن رأوا نهزة وغنيمة أصابوها ، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ، والرجل ببلدكم لا طاقة لكم به إن خلا بكم ، فلا تقاتلوا القوم حتى تأخذوا رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن يقاتلوا معكم محمّدا حتى تناجزوه ، فقالوا : لقد أشرت برأي ونصح. ثمّ خرج حتى أتى قريشا فقال لأبي سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش : يا معشر قريش قد عرفتم ودّي إيّاكم وفراقي محمّدا ، وقد بلغني أمر رأيت أنّ حقّا عليّ أن أبلّغكموه نصحا لكم فاكتموا عليّ. قالوا : نفعل.
قال : تعلمون أنّ معشر اليهود قد ندموا على ما صنعوا في ما بينهم وبين محمد ، وقد أرسلوا إليه ، أن قد ندمنا على ما فعلنا ، فهل يرضيك عنّا أن نأخذ من القبيلتين من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم [فنعطيكم] فتضرب أعناقهم ، ثمّ نكون معك على من بقي منهم؟
فأرسل إليهم أن نعم ، فإن بعث إليكم اليهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا
__________________
(١) في تاريخ الطبري (٢ / ٢٤٢) : ريث.