الملائكة بنات الله ، فسمّي الملائكة جنّا لاختبائهم عن الأبصار ، هذا قول مجاهد وقتادة ، وقال ابن عباس : قالوا لحيّ : من الملائكة ـ يقال لهم : الجنّ ومنهم إبليس ـ بنات الله.
قال الكلبي : قالوا (لعنهم الله) : بل تزوّج من الجن فخرج منها الملائكة ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وقال الحسن : أشركوا الشيطان في عبادة الله فهو النسب الذي جعلوه.
(وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ) يعني قائلي هذا القول (لَمُحْضَرُونَ) في النار.
(سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ * إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) ؛ فإنهم من النار ناجون. (فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ) يعني الأصنام (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) أي مع ذلك (بِفاتِنِينَ) : بمضلّين (إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) أي إلّا من هو في علم الله وإرادته سيدخل النار.
أخبرني ابن فنجويه قال حدّثنا ابن شنبه قال : حدّثنا الفربابي قال : حدّثنا أبو بكر بن شنبه قال : حدّثنا عبد الله بن إدريس عن عمر بن ذر قال : قدمنا على عمر بن عبد العزيز فذكر عنده القدر ، فقال عمر بن عبد العزيز : لو أراد الله ألّا يعصى ما خلق إبليس وهو رأس الخطيئة ، وإن في ذلك لعلما من كتاب الله ، وجهله من جهله وعرفه من عرفه ، ثم قرأ (فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ * ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) ، وقد فصلت هذه الآية بين الناس.
وأخبرني ابن فنجويه قال : حدّثنا ابن شنبه قال : حدّثنا الفربابي قال : حدّثنا إسحاق بن موسى الأنصاري قال : حدّثنا أنس بن عياض قال : حدّثني أبو سهيل نافع بن مالك بن أبي عامر قال : قال لي عمر بن عبد العزيز (من فيه إلى أذني) : ما تقول في الذين يقولون لا قدر؟ قال : أرى أن يستتابوا ، فإن تابوا وإلّا ضربت أعناقهم. قال عمر بن عبد العزيز : ذلك الرأي فيهم والله لو لم يكن إلّا هذه الآية الواحدة لكفى بها : (فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ * ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ * إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ).
(ما مِنَّا إِلَّا لَهُ) يعني إلّا من له (مَقامٌ مَعْلُومٌ) : مكان مخصوص في العبادة. قال ابن عباس : ما في السماوات موضع شبر إلّا وعليه ملك مصلّ أو مسبح ، وقال أبو بكر : الوراق : (إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) يعبد الله عليه ، كالخوف والرجا ، والمحبة والرضا ، وقال السدي : يعني في القربى والمشاهدة.
(وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) في الصلاة ، (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ * وَإِنْ كانُوا) وقد كادوا يعني أهل مكة (لَيَقُولُونَ) لام التأكيد : (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ) : كتابا مثل كتبهم ، (لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ * فَكَفَرُوا بِهِ) فيه اختصار تقديره : فلما أتاهم ذلك الكتاب كفروا به. نظيره قوله : (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) (١).
__________________
(١) سورة الأنعام : ١٥٧.