وقال مقاتل بن حيان : كان سليمان ملكا ولكنه أراد بقوله (لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) تسخير الرياح والطير ، يدل عليه ما بعده.
وقيل : إنما سأل ذلك ليكون آية لنبوته ودلالا على رسالته ومعجزا لمن سواه.
وقيل : إنما سأل ذلك ليكون علما له على المغفرة وقبول التوبة ، حيث أجاب الله سبحانه وتعالى دعاءه ورد إليه ملكه وزاد فيه.
وقال عمر بن عثمان الصدفي : أراد به ملك النفس وقهر الهوى.
يؤيده ما أخبرنا عبد الله بن حامد قال : أخبرنا محمّد بن خالد قال : حدثنا داود بن سليمان قال : حدثنا عبد بن حميد قال : أخبرنا عبد الله بن يزيد قال : حدثنا عبد الرحمن بن زياد الأفريقي قال : حدثنا سلمان بن عامر الشيباني قال : بلغني أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «أرأيتم سليمان وما أعطاه الله من ملكه؟ فإنه لم يرفع طرفه إلى السماء تخشعا لله عزوجل حتّى قبضه الله عزوجل» [١١٨] (١).
وأخبرنا شعيب بن محمّد قال : أخبرنا مكي بن عبدان قال : حدثنا أبو الأزهر قال : حدثنا روح بن عبادة قال : حدثنا هشام عن الحسن أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «قد عرض لي الشيطان في مصلاي الليلة كأنه هرّكم هذا ، فأخذته فأردت أن أحبسه حتّى أصبح ، فذكرت دعوة أخي سليمان رب (هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) فتركته» [١١٩] (٢).
ومنه عن روح عن شعبة عن محمّد بن زياد قال : سمعت أبا هريرة قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن عفريتا من الجن جعل يتقلب عليّ البارحة ليقطع عليّ صلاتي وأن الله عزوجل أمكنني منه [فرعته] (٣) فلقد هممت أن أربطه إلى سارية من سواري المسجد حتّى يصبح فتنظرون إليه كلكم ، فتذكرت قول سليمان : ربّ (هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) فردّه الله عزوجل خاسئا» [١٢٠] (٤).
(فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً) ليّنة رطبة (حَيْثُ أَصابَ) حيث أراد وشاء ، بلغة حمير.
تقول العرب : أصاب الصواب وأخطأ الجواب ، أي أراد الصواب.
قال الشاعر :
__________________
(١) المصنف لابن أبي شيبة : ٨ / ١١٨.
(٢) الدر المنثور : ٥ / ٣١٣.
(٣) كذا في المخطوط : وفي المصادر : (فأخذته) و (فذعته) و (فانتهرته)
(٤) مسند أحمد : ٢ / ٢٩٨ ، وصحيح البخاري : ٤ / ١٣٦.