قال : العرب تسمي الاثنين جميعا لقوله سبحانه (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا) (١) ، وقوله (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢) قال : هما رجلان وقال : (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) (٣).
(أَسْتَكْبَرْتَ) ألف الاستفهام تدخل على ألف الخبر (أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ) المتكبرين على السجود كقوله سبحانه : (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ) (٤). (قالَ) إبليس (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ * قالَ فَاخْرُجْ مِنْها) أي من الجنّة.
وقيل : من السماوات.
وقال الحسن وأبو العالية : أيّ من الخلقة التي أنت فيها.
قال الحسين بن الفضل : وهذا تأويل صحيح ، لأن إبليس تجبّر وافتخر بالخلقة ، فغيّر الله تعالى خلقه فاسودّ بعد ما كان أبيضا وقبح بعد ما كان حسنا وأظلم بعد أن كان نورانيا.
(فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) مطرود معذّب (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ * قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) وهو النفخة الأولى (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ).
قرأ مجاهد والأعمش وعاصم وحمزة وخلف : برفع الأول ونصب الثانية على معنى فأنا الحقّ أو فمنّي الحق ، وأقول الحق.
وقال الباقون : بنصبهما.
واختلف النحاة في وجهيهما ، قيل : نصب الأول على الإغراء والثاني بإيقاع القول عليه.
وقيل : هو الأول قسم ، والثاني مفعول مجاز قال : فبالحق وهو الله عزوجل أقسم بنفسه (وَالْحَقَّ أَقُولُ).
وقيل : إنه أتبع قسما بعد قسم.
وقال الفراء وأبو عبيد : معناهما حققا لم يدخل الألف واللام ، كما يقال : الحمد لله وأحمد الله ، هما بمعنى واحد.
وقرأ طلحة بن مصرف : فالحق والحقِّ بالكسر فهما على القسم.
وسمعت أبا القاسم بن حبيب يقول : سمعت أبا بكر بن عبدش يقول : هو مردود إلى ما قبله
__________________
(١) سورة الحج : ١٩.
(٢) سورة النور : ٢.
(٣) سورة التحريم : ٤.
(٤) سورة القصص : ٤.