بالبيت فلقوه حين فرغ فأخذوا بمجامع ردائه فقالوا : أنت الذي تنهانا عمّا كان يعبد آباؤنا؟
فقال : «أنا ذاك».
فقام أبو بكر رضياللهعنه فالتزمه من ورائه وقال : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) إلى آخر الآية رافع صوته بذلك ، وعيناه تسفحان حتّى أرسلوه (١).
(يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (٣٤) الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥) وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبابٍ (٣٧))
(يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ) غالبين مستعلين على بني إسرائيل (فِي الْأَرْضِ) أرض مصر (فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ) عذاب الله (إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ) من الرأي والنصيحة (إِلَّا ما أَرى) لنفسي.
وقال الضحاك : ما أعلمكم إلّا ما أعلم نظيره (بِما أَراكَ اللهُ) (٢). (وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ * وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) مثل ما أصابهم من العذاب (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ * وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ).
قرأه العامة : بتخفيف الدال ، بمعنى يوم ينادي المناد بالشقاوة والسعادة ، إلّا أن فلان بن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا ، إلّا أن فلان بن فلان شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا ، وينادي الناس بعضهم بعضا ، وينادي أصحاب الأعراف ، وأهل الجنّة أهل النار ، وأهل النار أهل الجنّة ، وينادي حين يذبح الموت : يا أهل الجنّة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت ، وينادي كل قوم بأعمالهم. وقرأ الحسن : (التنادي) بتخفيف الدال واثبات الياء على الأصل.
__________________
(١) السنن الكبرى : ٦ / ٤٥٠.
(٢) سورة النساء : ١٠٥.