ونظيره في سورة المنفكّين (إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ) (١).
(إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ) من قبل بعث محمد وصفته. (بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) تأخير العذاب. (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) وهو يوم القيامة. (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) بالعذاب.
(وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ) يعني من بعد الأمم الخالية ، وقال مجاهد : معناه من قبلهم أي من قبل مشركي مكّة وهم اليهود والنصارى. (لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ فَلِذلِكَ) أي فإلى ذلك الّذين أوتوا الكتاب. (فَادْعُ) كقوله : (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) (٢) أي إليها (وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ) اثبت على الدين الذي به أمرت (وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) أي أن أعدل أو كي أعدل ، كقوله : (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٣).
قال ابن عباس : لأسوي بينكم في الدّين ، وأؤمن بكلّ كتاب وكلّ رسول ، وقال غيره : (لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) في جميع الأحوال والأشياء.
قال قتادة : أمر نبي الله صلىاللهعليهوسلم أن يعدل ، فعدل حتّى مات ، والعدل ميزان الله تعالى في الأرض ، وذكر لنا إنّ داود عليهالسلام ، قال : ثلاث من كنّ فيه فهو الفائز : القصد في الغنى والفقر ، والعدل في الرضا والغضب ، والحسنة في السرّ والعلانية ، وثلاث من كنّ فيه أهانته : شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه ، وأربع من أعطيهنّ ، فقد أعطي خير الدّنيا والآخرة : لسان ذاكر ، وقلب شاكر ، وبدن صابر ، وزوجة مؤمنة.
(اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ) لا خصومة. (بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ) نسختها آية القتال. (اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا) لفصل القضاء. (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ) يخاصمون. (فِي اللهِ) في دين الله نبيه. (مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ) أي من بعد ما استجاب له النّاس ، فأسلموا ودخلوا في دينه لظهور معجزته ، وقيام حجته. (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ) باطلة زائلة.
(عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) قال مجاهد : نزلت في اليهود والنصارى. قالوا : كتابنا قبل كتابكم ، ونبينا قبل نبيكم ، ونحن خير منكم وأولى بالحقّ.
(اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ) أي العدل عن ابن عباس وأكثر المفسرين.
مجاهد : هو الّذي يوزن به ، ومعنى إنزال الميزان : إلهامه الخلق للعمل به ، وأمره بالعدل والإنصاف ، كقوله : (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) (٤).
وقال علقمة : الميزان محمد صلىاللهعليهوسلم ، يقضي بينهم بالكتاب. (وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ)
__________________
(١) سورة البينة : ٤.
(٢) سورة الزلزلة : ٥.
(٣) سورة الأنعام : ٧١.
(٤) سورة الأعراف : ٢٦.