(يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) كما يشاء من شاء موسعا ، ومن شاء مقترا ، ومن شاء قليلا ومن شاء كثيرا ، ومن شاء حلالا ، ومن شاء حراما ، ومن شاء في خفض ودعه ، ومن شاء في كد وعناء ، ومن شاء في بلده ومن شاء في الغربة ، ومن شاء بحساب ومن شاء بغير حساب. (وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) يعني يريد بعمله الآخرة. (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) بالتضعيف بالواحدة عشرة إلى ما شاء الله من الزيادة. (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا) يعني يريد بعمله الدّنيا (نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ).
قال قتادة : يقول : من عمل لآخرته (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) ، ومن آثر دنياه على آخرته ، لم يجعل الله له نصيبا في الآخرة إلّا النّار ، ولم يصب من الدّنيا إلّا رزق قد فرغ منه وقسم له.
أنبأني عبد الله بن حامد ، أخبرنا أحمد بن محمد بن شاذان ، حدثنا الحسين بن إدريس ، حدثنا سويد بن نصير ، أخبرنا عبد بن المبارك عن أبي سنان الشيباني ، إنّ عمر بن الخطاب رضياللهعنه ، قال : الأعمال على أربعة وجوه : عامل صالح في سبيل هدى يريد به دنيا ، فليس له في الآخرة شيء ، ذلك بأنّ تعالى ، قال : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) .. (١) الآية ، وعامل الرياء ليس له ثواب في الدّنيا والآخرة إلّا الويل ، وعامل صالح في سبيل هدى يبتغي به وجه الله والدار الآخرة ، فله الجنّة في الآخرة ، معها [نعاته] (٢) في الدّنيا ، وعامل خطأ وذنوب ثوابه عقوبة الله ، إلّا أن يعفوا فإنّه (أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ).
(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ) يوم القيامة ، حيث قال : (بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ) (٣) .. (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ * تَرَى الظَّالِمِينَ) المشركين يوم القيامة (مُشْفِقِينَ) وجلين. (مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ) أي نازل بهم لا محالة. (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ).
(ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣))
(ذلِكَ الَّذِي) ذكرت من نعيم الجنّات. (يُبَشِّرُ اللهُ) به. (عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) فإنّهم أهله.
__________________
(١) سورة هود : ١٥.
(٢) ولعلها : نعمته.
(٣) سورة القمر : ٤٦.