(قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) قال ابن عباس : لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم من المدينة كانت تنوبه نوائب وحقوق ، وليس في يديه سعة لذلك ، قالت الأنصار : إنّ هذا الرجل قد هداكم الله به ، وهو ابن أختكم ، منوبة به. فقالوا له : يا رسول الله إنّك ابن أختنا ، وقد هدانا الله على يديك ، وتنوبك نوائب وحقوق ، ولست لك عندها سعة ، فرأينا أن نجمع لك من أموالنا ، فنأتيك به ، فتستعين به على ما ينوبك وها هو ذا ، فنزلت هذه الآية.
وقال قتادة : اجتمع المشركون في مجمع لهم ، فقال بعضهم لبعض : أترون محمّدا يسأل على ما يتعاطاه أجرا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، يحثهم على مودته ، ومودّة أقربائه ، وهذا التأويل أشبه بظاهر الآية والتنزيل ؛ لأنّ هذه السورة مكّية ، واختلف العلماء في معنى الآية.
أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه بقراءتي عليه ، حدثنا عمر بن أحمد بن القاسم النهاوندي ، حدثنا أبو بكر الأزدي ، حدثنا عاصم بن علي ، حدثنا قزعة بن سويد ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا أسألكم على ما أتيتكم من البينات والهدى أجرا إلّا أن تودّوا الله تعالى ، وتقرّبوا إليه بطاعته» [١٧٠] (١).
وإلى هذا ذهب الحسن البصري ، فقال : هو القربى إلى الله تعالى ، يقول إلّا التقرب إلى الله تعالى والتودّد إليه بالطاعة والعمل الصالح ، وروى طاوس والشعبي والوالبي والعوفي عن ابن عباس ، قال : لم يكن بطن من بطون قريش إلّا وبين رسول الله وبينهم قرابة ، فلما كذّبوه وأبوا أن يبايعوه ، أنزل الله تعالى ، (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) يعني أن تحفظوني وتودّوني وتصلوا رحمي ، فقال رسول الله : «إذا أبيتم أن تبايعوني ، فاحفظوا قرابتي فيكم ولا تؤذوني ، فإنّكم قومي وأحق من أطاعني وأجابني (٢)» [١٧١].
وإليه ذهب أبو مالك وعكرمة ومجاهد والسدي والضحاك وابن زيد وقتادة ، وقال بعضهم : معناه إلّا أن تودوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم ، وهو قول سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب.
ثمّ اختلفوا في قرابة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، الّذين أمر الله تعالى بمودتهم.
أخبرنا الحسين بن محمد بن فنجويه الثقفي العدل ، حدثنا برهان بن علي الصوفي ، حدثنا محمّد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي ، حدثنا حرب بن الحسن الطحان ، حدثنا حسين الأشقر ، عن قيس ، عن الأعمش ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لما نزلت (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) قالوا : يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الّذين وجبت علينا مودّتهم؟
قال : «علي وفاطمة وأبناءهما (٣)» [١٧٢] ، ودليل هذا التأويل ما أخبرنا أبو منصور
__________________
(١) مسند احمد : ١ / ٢٦٨ ، المستدرك : ٢ / ٤٤٤.
(٢) جامع البيان للطبري : ٢٥ / ٣١.
(٣) مجمع الزوائد : ٧ / ١٠٣