أمر فرق وأمرا. (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) محمد صلىاللهعليهوسلم إلى عبادنا. (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) وقيل : أنزلناه رحمة ، وقيل : أرسلناه رحمة ، وقيل : الرحمة.
(إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) كسر أهل الكوفة (بائه) ردا على قوله (مِنْ رَبِّكَ) ، ورفعه الآخرون ردا على قوله (هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وإن شئت على الابتداء.
(إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) إنّ الله (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) فأيقنوا إنّ محمدا رسوله ، وإنّ القرآن تنزيله. (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ. رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ فَارْتَقِبْ) فانتظر. (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ).
اختلفوا في هذا الدّخان ، ما هو ، ومتى هو ، فروى الأعمش ومسلم بن صبيح ، عن مسروق ، قال : كنا عند عبد الله بن مسعود جلوسا ، وهو مضطجع بيننا ، فأتاه رجل ، فقال : يا أبا عبد الرّحمن ، إنّ قاصا عند أبواب كنده ، يقص ويقول في قوله تعالى : (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) إنّه دخان يأتي يوم القيامة ، فيأخذ بأنفاس الكفّار والمنافقين وأسماعهم وأبصارهم ، ويأخذ المؤمنين منه شبه الزكام ، فقام عبد الله وجلس ، وهو غضبان ، فقال : يا أيّها الناس اتقوا الله ، من علم شيئا فليقل ما يعلم ، ومن لا يعلم ، فليقل الله أعلم ، فأن الله تعالى ، قال لنبيه صلىاللهعليهوسلم (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) (١) وسأحدثكم عن ذلك : أنّ قريشا لما أبطأت عن الإسلام ، واستعصت على رسول الله صلىاللهعليهوسلم دعا عليهم ، فقال : «اللهم سبع سنين كسني يوسف (٢)» [٢١٢]. فأصابهم من الجهد والجوع ما أكلوا الجيف والعظام والميتة والجلود ، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلّا الدخان من ظلمة أبصارهم من شدة الجوع ، فأتاه أبو سفيان بن حرب ، فقال : يا محمد إنّك حيث تأمر بالطاعة وصلة الرحم ، وإنّ قومك قد هلكوا فادع الله لهم فإنّهم لك مطيعون.
فقال الله تعالى : فقالوا : (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) فدعا فكشف عنهم ، فقال الله تعالى : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ) إلى كفركم. (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدر ، فهذه خمس قد مضين : الدخان ، واللزام ، والبطشة ، والقمر ، والرّوم.
وقال الآخرون : بل هو دخان يجيء قبل قيام السّاعة ، فيدخل في أسماع الكفّار والمنافقين ، حتّى تكون كالرأس الحنيذ ، ويعتري المؤمن منهم كهيئة الزكام ، وتكون الأرض كلّها كبيت أوقد فيه وليس فيه خصاص.
__________________
(١) سورة ص : ٨٦
(٢) صحيح ابن حبان : ١٤ / ٥٤٩ تفاوت بسير.