بمدينة تدمر ، وقد كان أمر الشياطين قبل شخوصه من الشام إلى العراق ، فبنوها له بالصفاح والعمد والرخام الأبيض والأصفر ، وفي ذلك يقول النابغة :
ألا سليمان إذ قال الإله له |
|
قم في البرية فاحددها عن الفند |
وخيس الجن إني قد أذنت لهم |
|
يبنون تدمر بالصفاح والعمد (١) |
ووجدت هذه الأبيات منقورة في صخرة بأرض كسكر ، أنشأها بعض أصحاب سليمان بن داود عليهماالسلام :
ونحن ولا حول سوى حول ربنا |
|
نروح إلى الأوطان من أرض تدمر |
إذا نحن رحنا كان ريث رواحنا |
|
مسيرة شهر والغدوّ لآخر |
أناس شروا لله طوعا نفوسهم |
|
بنصر ابن داود النبي المطهّر |
لهم في معالي الدين فضل ورفعة |
|
وإن نسبوا يوما فمن خير معشر |
متى يركبوا الريح المطيعة أسرعت |
|
مبادرة عن شهرها لم تقصّر |
تظلهم طير صفوف عليهم |
|
متى رفرفت من فوقهم لم تنفر |
قوله : (وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ) : وأذبنا له عين النحاس أسيلت له ثلاثة أيام كما يسيل الماء ، وكانت بأرض اليمن ، وإنما ينتفع الناس اليوم بما أخرج الله لسليمان.
(وَمَنْ يَزِغْ) : يمل ويعدل (عَنْ أَمْرِنا) الذي أمرناه به من طاعة سليمان (نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ) في الآخرة. عن أكثر المفسرين ، وقال بعضهم : في الدنيا ، وذلك أن الله تعالى وكّل بهم ملكا بيده سوط من نار فمن زاغ عن أمر سليمان ضربه ضربة أحرقته.
(يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ) : مساجد ومساكن وقصور ، والمحراب : مقدم كل مسجد ، ومجلس وبيت. قال عدي :
كدمى العاج في المحاريب أو |
|
كالبيض في الروض زهره [مستنير] (٢) |
وكان مما عملوا له من ذلك بيت المقدس ، وقصته وصفته على ما ذكره أهل البصر بالسير أن الله تعالى بارك في نسل إبراهيم عليهالسلام حتى جعلهم في الكثرة غاية لا يحصون ، فلما كان زمن داود عليهالسلام لبث فيهم ثلاثين سنة بأرض فلسطين ، وهم كل يوم يزدادون كثرة ، فأعجب داود بكثرتهم فأمر بعدّهم ، فكانوا يعدون زمانا من الدهر حتى أيسوا وعجزوا أن يحيط علمهم بعدد بني إسرائيل ، فأوحى الله إلى داود : «إني قد وعدت أباك إبراهيم يوم أمرته بذبح
__________________
(١) تفسير الطبري : ١٣ / ١٢١ ؛ وتفسير القرطبي : ١٤ / ٢٦٩.
(٢) كذا في مصادر التفسير ، انظر تفسير الطبري : ٣ / ٢٣٣٥ : ٤٤٧ ، ٨ : ٣٨٢ ، وهو الصحيح وزنا ، وفي المخطوط : مستكبر.