ولده فصدقني وائتمر أمري أن أبارك له في ذريته ، حتى يصيروا أكثر من عدد نجوم السماء وحتى لا يحصيهم العادّون ، وإني قد أقسمت أن أبتليهم ببلية يقل منها عددهم ويذهب عنك إعجابك بكثرتهم» وخيّره بين أن يعذبهم بالجوع والقحط ثلاث سنين ، وبين أن يسلط عليهم عدوهم ثلاثة أشهر ، وبين أن يرسل عليهم الطاعون ثلاثة أيام.
فجمع داود بني إسرائيل وأخبرهم بما أوحى الله إليه وخيره فيه ، فقالوا : أنت أعلم بما هو أيسر لنا وأنت نبينا فانظر لنا ، غير أن الجوع لا صبر لنا [عليه] وتسليط العدو أمر فاضح ، فإن كان لا بد فالموت. فأمرهم داود عليهالسلام أن يتجهزوا للموت ، فاغتسلوا وتحنطوا ولبسوا الأكفان وبرزوا إلى الصعيد بالذراري والأهلين ، وأمرهم أن يضجّوا إلى الله تعالى ويتضرعوا إليه لعله (١) يرحمهم ، وذلك في صعيد بيت المقدس قبل بناء المسجد. قال : وارتفع داود عليهالسلام فوق الصخرة فخرّ ساجدا يبتهل إلى الله تعالى فأرسل الله فيهم الطاعون. فأهلك منهم في يوم وليلة ما لم يتفرغوا من دفنهم إلّا بعد مدة شهرين. فلما أصبحوا من اليوم الثاني سجد داود وسجدوا معه إلى طلوع الشمس فلم يرفعوا رؤوسهم حتى كشف الله عنهم الطاعون.
قالوا : فلما أن شفّع الله تعالى داود في بني إسرائيل في ذلك المكان جمع داود بني إسرائيل بعد ثلاثة فقال لهم : «إن الله سبحانه قد منّ عليكم ورحمكم فجددوا له شكرا». فقالوا : كيف تأمرنا. قال : «آمركم أن تتخذوا من هذا الصعيد الذي رحمكم فيه مسجدا لا يزال فيه منكم وممن بعدكم ذاكر».
فلما أرادوا البناء جاء رجل صالح فقير يختبرهم ليعلم كيف إخلاصهم في ثبوتهم فقال لبني إسرائيل : إنّ لي فيه موضعا أنا محتاج إليه ولا يحل لكم أن تحجبوني عنه. فقالوا له : يا هذا ما أحد في بني إسرائيل إلّا وله في هذا الصعيد حق مثل حقك ، فلا تكن أبخل الناس ولا تضايقنا فيه. فقال : أنا لا أعرف حقي وأنتم لا تعرفون. فقالوا له : إما إن ترضى وتطيب نفسا ، وإلّا أخذناه كرها. فقال لهم : أو تجدون ذلك في حكم الله وفي حكم داود؟
قال : فرفعوا خبره إلى داود فقال : «أرضوه». فقالوا : بكم نأخذه يا نبي الله؟ قال : «خذوه بمائة شاة». فقال الرجل : زد. فقال داود : «بمائة بقر». قال : زد. قال : «مائة إبل». قال : زدني فإنّ ما تشتريه لله تعالى. فقال داود : «أما إذا قلت هذا ، فاحتكم أعطكه» فقال : تشتري مني بحائط مثله زيتونا ونخلا وعنبا. قال : «نعم». فقال : تشتريه لله فلا تبخل. قال : «سل ما شئت أعطكه ، وإن شئت أؤاجرك نفسي» قال : وتفعل ذلك يا نبي الله؟ قال : «نعم إذا شئت». قال : أنت أكرم على الله من ذلك ، ولكنك تبني حوله جدارا مشرفا ثم تملؤه ذهبا ، وإن شئت ورقا. قال داود : «هو هين».
__________________
(١) في المخطوط زيادة : «أن».