وكانت الجن تخبر الإنس أنهم يعلمون من الغيب أشياء وإنهم يعلمون ما في غد ـ ثم دخل المحراب فقام يصلي متكئا على عصاه فمات.
قال ابن زيد : قال سليمان لملك الموت : «إذا أمرت بي فاعلمني». قال : فأتاه فقال : «يا سليمان قد أمرت بك ، وقد بقيت لك سويعة».
فدعا الشياطين فبنوا عليه صرحا من قوارير ليس له باب ، فقام يصلي واتكأ على عصاه ، فدخل عليه ملك الموت فقبض روحه وهو متّكئ على عصاه.
وفي رواية أخرى : أنّ سليمان عليهالسلام قال ذات يوم لأصحابه : «قد آتاني الله من الملك ما ترون ، وما مرّ عليّ يوم في ملكي بحيث صفا لي من الكدر ، وقد أحببت أن يكون لي يوم واحد يصفو لي إلى الليل ، ولا أغتم فيه ولكن ذلك اليوم غدا».
فلما كان من الغد دخل قصرا له وأمر بإغلاق أبوابه ، ومنع الناس من الدخول عليه ، ورفع الأخبار إليه لئلا يسمع ذلك اليوم شيئا يسوؤه ، ثم أخذ عصاه بيده ، وصعد فوق قصره واتكأ على عصاه ينظر في ممالكه ، إذ نظر إلى شاب حسن الوجه عليه ثياب بيض قد خرج عليه من جانب من جوانب قصره ، فقال : «السلام عليك يا سليمان». فقال : «وعليك السلام ، كيف دخلت هذا القصر ، وقد منعت من دخوله؟ أما منعك البوّاب والحجّاب؟ أما هبتني حيث دخلت قصري بغير إذني؟» فقال : «أنا الذي لا يحجبني حاجب ، ولا يدفعني بوّاب ولا أهاب الملوك ، ولا أقبل الرشا وما كنت لأدخل هذا القصر بغير إذن» قال سليمان : «فمن أذن لك في دخوله؟» قال : «ربه».
فارتعد سليمان وعلم أنه ملك الموت ، فقال له : «أنت ملك الموت؟» قال : «نعم» ، قال : «فبمّ جئت؟».
قال : «جئت لأقبض روحك». قال : «يا ملك الموت هذا يوم أردت أن يصفو لي ولا أسمع فيه ما يغمني». قال : «يا سليمان ، إنّك أردت يوما يصفو لك فيه عيشك حتى لا تغتم فيه ، ذلك اليوم لم يخلق في أيام الدنيا فارض بقضاء ربك فإنه لا مرد له».
قال : «فامض لما أمرت به».
فقبض ملك الموت روحه وهو متكئ على عصاه. قالوا : وكانت الشياطين تجتمع حول محرابه ومصلاه أينما كان ، فكان للمحراب كوى بين يديه وخلفه ، وكان الشيطان الذي يريد أن يخرج يقول : ألست جليدا إن دخلت فخرجت من ذلك الجانب ، فيدخل حتى يخرج من الجانب الآخر. فدخل شيطان من أولئك فمر ولم يسمع صوت سليمان ، ثم رجع فلم يسمع ، ثم رجع فوقع في البيت فلم يحترق فنظر إلى سليمان وقد سقط ميتا ، فخرج فأخبر الناس أن سليمان قد مات ، ففتحوا عنه فأخرجوه ووجدوا منسأته ـ وهي العصا بلسان الحبشة ـ قد أكلتها الأرضة ،