ولم يعلموا مذ كم مات ، فوضعوا الأرضة على العصا ، فأكلت منها يوما وليلة ، ثم حسبوا على ذلك النحو فوجدوه قد مات من سنة ، وكانت الجن تعمل بين يديه ينظرون إليه ويحسبون أنه حيّ ولا ينظرون احتباسه عن الخروج إلى الناس لطول صلاته قبل ذلك (١).
وهي في قراءة ابن مسعود : فمكثوا يدأبون له من بعد موته حولا كاملا ، فأيقن الناس أنّ الجن كانوا يكذبونهم ، ولو أنهم علموا الغيب لعلموا بموت سليمان ولم يلبثوا في العذاب سنة يعملون له. ثم إنّ الشياطين قالوا للأرضة : لو كنت تأكلين الطعام أتيناك بأطيب الطعام ، ولو كنت تشربين الشراب سقيناك أطيب الشراب ، ولكنا سننقل إليك الطين والماء. فهم ينقلون إليها ذلك حيث كانت. قال : ألم تر إلى الطين الذي يكون فوق الخشب فهو ممّا يأتيها به الشياطين تشكرا لها ، فذلك قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) وهي الأرضة ، ويقال لها : القادح أيضا وهي دويبة تأكل العيدان.
(تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) أي عصاه ، فأصلها من نسأت الغنم إذا زجرتها وسقتها ، وقال طرفة :
أمون كألواح الأران نسأتها |
|
على لاحب كأنه ظهر برجد (٢) |
أي سقتها ، وهمزها أكثر القراء ، وترك همزها أبو عمرو وأهل المدينة ، وهما لغتان ، وقال الشاعر في الهمز :
ضربنا بمنسأة وجهه |
|
فصار بذاك مهينا ذليلا (٣) |
وقال الآخرون في ترك الهمز :
إذا دببت على المنساة من هرم |
|
فقد تباعد عنك اللهو والغزل (٤) |
قوله : (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) ، و (أن) في محل الرفع ؛ لأن معنى الكلام : فلما خر تبين وانكشف أن لو كان الجن أي ظهر أمرهم ، وفي قراءة ابن مسعود أن لو كان الجن يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ، وقيل : (أن) في موضع نصب أي علمت وأيقنت الجن أن لو كانوا يعلمون.
وقال أهل التاريخ : كان عمر سليمان عليهالسلام ثلاثا وخمسين سنة وكان مدة ملكه أربعين سنة ، وملك يوم ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة ، وابتدأ في بناء بيت المقدس لأربع سنين مضين من ملكه والله أعلم.
__________________
(١) تفسير الطبري : ٢٢ / ٩٢ ، وتاريخ الطبري : ١ / ٣٥٦.
(٢) الصحاح : ٥ : ٢٠٦٩.
(٣) تفسير القرطبي : ١٤ / ٢٧٩.
(٤) الصحاح : ١ / ٧٦.