بعضه ببعض ، ومعناه : كانوا قليلا من الليل الذي يهجعون ، أي كانوا قليلا من الليل هجوعهم ؛ لأنّ (ما) إذا اتصل به الفعل ، صار في تأويل المصدر كقوله : (بِما ظَلَمُوا) أي بظلمهم ، وجعله بعضهم صلة ، أي كانوا قليلا من الليل يهجعون.
قال محمد بن علي : «كانوا لا ينامون حتى يصلّوا العتمة» ، وقال أنس بن مالك : يصلّون ما بين المغرب والعشاء ، وقال مطرف : قلّ ليلة تأتي عليهم لا يصلّون فيها لله سبحانه ، إما من أوّلها ، وإما من أوسطها ، وقال الحسن : لا ينامون من الليل إلّا أقلّه ، وربما نشطوا فمدّوا إلى السحر.
(وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) ، قال ابن عباس وسعيد بن المسيب : السائل : الذي يسأل الناس ، والمحروم : المحارف الذي ليس له في الإسلام سهم.
وقال قتادة والزهري : السائل الذي يسألك ، والمحروم : المتعفف الذي لا يسألك ، وقال إبراهيم : هو الذي لا سهم له في الغنيمة ، يدلّ عليه ما روى سفيان عن قيس بن مسلم عن الحسين بن محمد أنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بعث سريّة فغنموا ، فجاء قوم لم يشهدوا الغنيمة ، فنزلت هذه الآية ، وقال عكرمة : المحروم : الذي لا ينمي له مال ، وقال زيد بن أسلم : هو المصاب بثمره أو زرعه أو نسل ماشيته.
أخبرني الحسن بن محمد ، قال : حدّثنا محمد بن علي بن الحسن الصوفي قال : حدّثنا الحسن بن علي الفارسي قال : حدّثنا عمرو بن محمد الناقد قال : حدّثنا يزيد بن هارون قال : حدّثنا محمد بن مسلم الطائفي عن أيوب بن موسى عن محمد بن كعب القرظي : المحروم صاحب الحاجة ، ثم قرأ : (إِنَّا لَمُغْرَمُونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) (١) ، ونظيره في قصة ضروان (٢) (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) (٣) ، وأخبرنا الحسين قال : حدّثنا عمر بن أحمد بن القاسم قال : حدّثنا محمد بن أيوب قال : أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدّثنا عبد [...] (٤) عن شعبة عن عاصم ـ يعني الأحول ـ عن أبي قلابة ، قال : كان رجل من أهل اليمامة له مال ، فجاء سيل فذهب بماله ، فقال رجل من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم : هذا المحروم فاقسموا له.
وقال الشعبي : أعناني أن أعلم ما المحروم ، لقد سألت عن المحروم منذ سبعين سنة ، فما أنا اليوم بأعلم مني من يومئذ.
__________________
(١) سورة الواقعة : آية ٦٧.
(٢) ضروان : اسم أرض باليمن فيها الجنة المشار إليها. انظر الدر المنثور ٦ : ٢٥٣
(٣) سورة القلم : ٢٧.
(٤) بياض في الأصل.