اللهِ قُرْباناً آلِهَةً) يعني الأوثان ، قال الكسائي : القربان كلّ ما يتقرّب به إلى الله تعالى من طاعة ، ونسكة ، والجمع قرابين ، كالرهبان والرهابين.
(بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ) أي كذبهم الذي كانوا يقولون : إنّها تقرّبهم إلى الله تعالى ، وتشفع لهم عنده. وقرأ ابن عبّاس وابن الزبير ذلِكَ إَفَكَهُمْ بفتح (الألف) و (الفاء) على الفعل ، أي ذلك القول صرفهم عن التوحيد. وقرأ عكرمة إَفَّكَهُمْ بتشديد (الفاء) على التأكيد والتفسير. قال أبو حاتم : يعني قلبهم عمّا كانوا عليه من النعيم. ودليل قراءة العامّة قوله : (وَما كانُوا يَفْتَرُونَ).
(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ) الآية. قال المفسّرون : لمّا مات أبو طالب خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحده إلى الطائف يلتمس ثقيف النصرة ، والمنعة له من قومه ، فروى محمّد بن أحمد عن يزيد بن زياد عن محمّد بن كعب القرظي ، قال : لمّا انتهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحده إلى الطائف ، عمد إلى نفر من ثقيف ، هم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم وهم اخوة ثلاثة : عبد ياليل ، ومسعود ، وحبيب ، بنو عمر بن عمير ، عندهم امرأة من قريش من بني جمح ، فجلس إليهم ، فدعاهم إلى الله تعالى وكلّمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام ، والقيام معه على من خالفه من قومه.
فقال أحدهم ، هو يمرط ثياب الكعبة إن كان الله تعالى أرسلك ، وقال الآخر : أما وجد الله أحد يرسله غيرك؟ وقال الثالث : والله لا أكلّمك كلمة أبدا لئن كنت رسولا من الله كما تقول ، لأنت أعظم خطرا من أن أردّ عليك الكلام ، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلّمك.
فقام رسول الله صلىاللهعليهوسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف ، وقال لهم : «إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموه» [١٠].
وكره رسول الله أن يبلغ قومه عنه فيديرهم عليه ذلك ، فلم يفعلوا وأغروا به سفهاءهم ، وعبيدهم يسبّونه ، ويصيحون به ، حتّى اجتمع عليه الناس وألجؤوه إلى حائط لعتبة ، وشيبة ابني ربيعة ، هما فيه ، ورجع عنه سفهاء ثقيف.
ولقد لقي رسول الله صلىاللهعليهوسلم تلك المرأة من بني جمح ، فقال لها : «ماذا لقينا من أحمائك؟».
فلمّا اطمئن رسول الله ، قال : «اللهم إنّي أشكو إليك ضعف قوّتي ، وقلّة حيلتي ، وهواني على النّاس ، أرحم الراحمين أنت ربّ المستضعفين ، وأنت ربّي ، إلى من تكلني ، إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدوّ ملّكته أمري. إن لم يكن بك عليّ غضب ، فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع ، وأعوذ بنور وجهك من أن ينزل بي غضبك ، ويحلّ عليّ سخطك ، لك العتبى حتّى ترضى ، لا حول ، ولا قوّة إلّا بك» [١١] (١).
__________________
(١) البداية والنهاية : ٣ / ١٦٦.