فسكت قليلا ، ثمّ غلبني ما أعلم منه ، فقلت : يا رسول الله ما لك عن فلان ، فو الله إنّي لأراه مؤمنا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أو مسلما ، فإنّي لأعطي الرجل ، وغيره أحبّ إليّ منه خشية أن يكبّ في النار على وجهه» [٨٣] (١).
فاعلم أنّ الإسلام الدخول في السلم ، وهو الطاعة والانقياد ، والمتابعة ، يقال : أسلم الرجل إذا دخل في السلم وهو الطاعة والانقياد والمتابعة.
يقال : أسلم الرجل إذا دخل في السلم ، كما يقال : أشتى الرجل إذا دخل في الشتاء ، وأصاف إذا دخل في الصيف ، وأربع إذا دخل في الربيع ، وأقحط إذا دخل في القحط ، فمن الإسلام ما هو طاعة على الحقيقة باللسان والأبدان فالجنان ، كقوله عزوجل لإبراهيم : (أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ) (٢) ، وقوله : (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (٣).
ومنه ما هو انقياد باللسان دون القلب وذلك قوله : (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) بيانه قوله سبحانه : (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) ظاهرا وباطنا ، سرّا وعلانيّة (لا يَلِتْكُمْ) (بالألف) أبو عمر ، ويعقوب ، واختاره أبو حاتم اعتبارا بقوله : (وَما أَلَتْناهُمْ) (٤) يقال ألت يألت ألتا ، قال الشاعر :
أبلغ بني ثعل عني مغلغلة |
|
جهد الرسالة لا ألتا ولا كذبا (٥) |
وقرأ الآخرون (يَلَتْكَمْ) من لات يليت ليتا ، كقول رؤبة :
وليلة ذات ندى سريت |
|
ولم يلتني عن سراها ليت (٦) |
ومعناهما جميعا لا ينقصكم ، ولا يظلمكم. (مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ثمّ بيّن حقيقة الإيمان ، فقال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا) لم يشكّوا في وحدانية الله ، ولا بنبوّة أنبيائه ولا فيما آمنوا به ، بل أيقنوا وأخلصوا (٧).
(وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) في إيمانهم ، لا من أسلم خوف السيف ورجاء الكسب ، فلمّا نزلت هاتان الآيتان ، أتت الأعراب رسول الله صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) صحيح مسلم : ٣ / ١٠٤.
(٢) سورة البقرة : ١٣١.
(٣) سورة الذاريات : ٣٦٣٥.
(٤) سورة الطور : ٢١.
(٥) لسان العرب : ٢ / ٤ ؛ تاج العروس : ١ / ٥٢٢.
(٦) زاد المسير : ٧ / ١٨٧ ؛ وتاج العروس : ١ / ٥٨٢.
(٧) تفسير الطبري : ٢٦ / ١٨٦ بتفاوت.