الحوراء ، عن ابن عبّاس. قال وهب بن منبه : إنّ ذا القرنين أتى على جبل قاف ، فرأى حوله جبالا صغارا ، فقال له : ما أنت؟ قال : أنا قاف ، قال : وما هذه الجبال حولك؟ قال : هي عروقي ، وليست مدينة من المدائن إلّا وفيها عرق منها ، فإذا أراد الله أن يزلزل تلك الأرض أمرني ، فحرّكت عرقي ذلك ، فتزلزلت تلك الأرض ، فقال له : يا قاف ، فأخبرني بشيء من عظمة الله ، قال : إنّ شأن ربّنا لعظيم ، تقصر عنه الصفات ، وتنقضي دونه الأوهام.
قال : فأخبرني بأدنى ما يوصف منها. قال : إنّ ورائي لأرضا مسيرة خمسمائة عام في عرض خمسمائة عام من جبال ثلج يحطم بعضه بعضا ، لو لا ذاك الثلج لاحترقت من حرّ جهنّم.
قال : زدني ، قال : إنّ جبريل عليهالسلام واقف بين يدي الله سبحانه ترعد فرائصه ، يخلق الله من كلّ رعدة مائة ألف ملك ، وأولئك الملائكة صفوف بين يدي الله سبحانه ، منكّسو رؤوسهم ، فإذا أذن الله لهم في الكلام ، قالوا : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) ، وهو قوله : (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ ، وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) (١) يعني لا إله إلّا الله.
وقال الفرّاء : وسمعت من يقول : (ق) : قضي ما هو كائن ، وقال أبو بكر الورّاق : معناه قف عند أمرنا ، ونهينا ، ولا تعدهما. وقيل : معناه قل يا محمّد.
أحمد بن عاصم الأنطاكي ، هو قرب الله سبحانه من عباده ، بيانه (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (٢) وقال ابن عطاء : أقسم بقوّة قلب حبيبه محمّد صلىاللهعليهوسلم حيث حمل الخطاب ، ولم يؤثر ذلك فيه لعلوّ حاله. (وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) الشريف ، الكريم على الله الكبير ، الخبير.
واختلف العلماء في جواب هذا القسم ، فقال أهل الكوفة : (بَلْ عَجِبُوا) ، وقال الأخفش : جوابه محذوف مجازه (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) لتبعثن ، وقال ابن كيسان : جوابه قوله : (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) الآية ، وقيل : قد علمنا ، وجوابات القسم سبعة : (إن) الشديدة ، كقوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) (٣) و (ما) النفي كقوله : (وَالضُّحى) (... ما وَدَّعَكَ) (٤) و (اللام) المفتوحة ، كقوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٥) و (إن) الخفيفة كقوله سبحانه : (تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي) (٦) ، و (لا) كقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ) (٧) ، لا يبعث الله من يموت ، وقد
__________________
(١) سورة النبأ : ٣٨.
(٢) سورة ق : ١٦.
(٣) سورة الفجر : ١٤.
(٤) سورة الضحى : ٣١.
(٥) سورة الحجر : ٩٢.
(٦) سورة الشعراء : ٩٧.
(٧) سورة الأنعام : ١٠٩.