كقوله : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها .. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) (١) وبل كقوله : (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ) يعرفون حسبه ، ونسبه ، وصدقه ، وأمانته. (فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) غريب.
(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) نبعث ، فترك ذكر البعث لدلالة الكلام عليه. (ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) يقال : رجعته رجعا ، فرجع هو رجوعا ، قال الله سبحانه : (فَإِنْ رَجَعَكَ اللهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ) (٢) قال الله سبحانه : (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) ما تأكله من عظامهم ، وأجسامهم ، وقيل : معناه قد علمنا ما يبلى منهم ، وما يبقى لأنّ العصعص لا تأكله الأرض كما جاء في الحديث : «كلّ ابن آدم يبلى ، إلّا عجب الذنب ، منه خلق ومنه يركب» [٨٥] (٣) وأبدان الأنبياء والشهداء أيضا لا تبلى.
وقال السدي : والموت يقول : قد علمنا من يموت منهم ، ومن يبقى. (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) محفوظ من الشياطين ، ومن أن يدرس ، ويبعثر ، وهو اللوح المحفوظ ، المكتوب فيه جميع الأشياء المقدّرة.
(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ) بالقرآن. (لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) قال أبو حمزة : سئل ابن عبّاس عن المريج ، فقال : هو الشيء المكر ، أما سمعت قول الشاعر :
فجالت فالتمست به حشاها |
|
فخر كأنه خوط مريج (٤) |
الوالبي عنه : أمر مختلف. العوفي عنه : أمر ضلالة. سعيد بن جبير ، ومجاهد : ملتبس ، قال قتادة : في هذه الآية من نزل الحقّ مرج أمره عليه ، والتبس دينه عليه. ابن زيد : مختلط ، وقيل : فاسد ، وقيل : متغير. وكلّ هذه الأقاويل متقاربة ، وأصل المرج الاضطراب ، والقلق ، يقال : مرج أمر الناس ، ومرج الدّين ، ومرج الخاتم في إصبعي وخرج إذا قلق من الهزال ، قال الشاعر :
مرج الدّين فأعددت له |
|
مشرف الحارك محبوك الكتد (٥) |
وفي الحديث : «مرجت عهودهم ، وأمانيهم».
(أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) أي شقوق ، وفتوق ، واحدها فرج ، وقال ابن زيد : الفروج الشيء المتفرّق المتبري بعضه من بعض ، وقال
__________________
(١) سورة الشمس : ٩١.
(٢) سورة التوبة : ٨٣.
(٣) تفسير ابن كثير : ٣ / ٢٥١ ؛ ومسند أحمد : ٢ / ٤٩٩.
(٤) تاج العروس : ٢ / ١٠٠.
(٥) لسان العرب : ١٠ / ٤٠٨ ؛ وتفسير القرطبي : ١٧ / ١٥ ؛ والحارك : الكاهل ، والكتد : مجمع الكتفين.