ولو أنهم قصدوا بالفتح تعميم العدالة والحكمة والعلم والمساواة لما فتكوا بأهل العلم من الصحابة أو إبعادهم ، ولما أمر عمر ولاته بحرق كتب العلم والأدب والفلسفة والفنون من نتاج أدمغة المفكرين من العلماء والأدباء والفنانين والكتاب خلال آلاف السنين في الإسكندرية وبلاد الروم وبلاد فارس ، بل لجهل الخليفة بمقام العلم وجهل عماله (١) ..
وماذا يعمل علي عليهالسلام ولا حكم لمن لا يطاع ...
هذا وهم يعلمون مقامه العلمي وفضله ، ولكن الأنانية والحسد والحقد والغيرة وما يحملونه من غرائز متأصلة تمنعهم من مشورته أكثر الأوقات ، ولطالما شاوروه في أمور عندما أعيتهم الحيلة حينما وجه لهم اليهود والنصارى اسئلة محرجة فاضطروا لمشورته ، أو اتفق وحضر مجلسهم وعدل المعوج من أعمالهم ، ويشهد على صحة ذلك حينما قال عمر كرارا ومرارا (لولا علي لهلك عمر).
وهل عرفوا له حقه ومقامه العلمي ، وهل سألوه وهو يعلن لهم : «سلوني قبل أن تفقدوني» ، ويقول : «هذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول الله» ، وهو يوضح لهم أنه أعلم بالسماء مما في الأرض ، وأنه يعلم تأويل القرآن وكل آية وفيما نزلت ، ويعلم متشابهه ومحكمه ، وقد وجدوا من علمه أنه لم يرد سائلا إلا علمه على قدر ادراكه ، وقد برهنت أقواله وأعماله على الحقيقة ، فهذا نهج البلاغة وما فيه شاهد على مقامه العلمي والأدبي ، كما شهدت أعماله ، وأين منه من يسأل عن (القدر) فيعجز عن جوابه ، وكيف هدد أبو بكر السائل حينما سأله عن القدر ، فيتحامل على السائل ويهدده حتى لا يتجاسر غيره على السؤال (٢) ، وهو يعرف فحوى الآية (وأما السائل فلا تنهر) وعجز عن تفسير الكلالة ولم يعرف معنى الأب في الآية (وفاكهة
__________________
(١) راجع بذلك الكتاب الرابع من موسوعتنا في حرق كتب العلم وشكاية أهل العلم عليه.
(٢) راجع كتابنا الثالث في أبي بكر.