وحكي أيضا عن آخرين انهم ضلوا في طريق الغرب ، فوقعوا إلى مدينة كثيرة الماء والشجر والناس والمواشي والنخل والزرع ، فأضافوهم وأكلوا عندهم وأباتوهم في دار فيها طاحونة يعمل فيها الخمر ، فشربوا معهم حتى سكروا وناموا ، فلما انتبهوا عند طلوع الشمس وجدوا أنفسهم في مدينة خراب ليس فيها أنيس ولا عمارة ، فارتاعوا وخرجوا على وجوههم كالهاربين ، وساروا يومهم على غير سمت حتى قرب المساء ، فظهرت لهم مدينة أكبر من الاولى ، وأعمر وأكثر أهلا ودوابا ونخلا وشجرا وزرعا ومواشي ، فأنسوا بها ، ونزلوا عندهم فأخبروهم بخبر المدينة الاولى.
فجعلوا يعجبون من ذلك ويضحكون منهم ، وإذا لبعض أهل المدينة وليمة فانطلقوا بهم إليها فأطعموهم بها ، وسقوهم وغنوهم بأصناف الملاهي ، وسألوهم عن أخبارهم ، فأخبروهم أنهم ضلوا عن الطريق في بعض هذه الصحاري ، فقالوا لهم الطريق بين أيديكم واضح ، ولا يمكن أن تغلطوا فيه فان أحببتم المسير وجهنا معكم ، من يوقفكم على سمت الطريق الكبير الذي يؤديكم إلى مكانكم ، وإن أحببتم أن تقيموا عندنا ، أرفدناكم وزوجناكم عندنا ، وكنتم أصهارنا وإخواننا ، فسروا بذلك من قولهم. فأجمع بعضهم على المقام معهم ، وأجمع أكثر من كان منهم له أهل وولد على أن يأخذ أهله وولده فيسير نحوهم قالوا فبتنا معهم خير مبيت ، ثم نمنا فلما كان في الغد انتبهنا فوجدنا أنفسنا في مدينة عظيمة خراب قد تشعث بعض حصونها ، وليس بها أحد من الناس إلا ان حولها نخلا كثيرا قد تساقط ثمرها ، وتكدس حولها. فلحقنا لذلك من الخوف والارتياع والوحشة ما كاد يتلفنا.
فخرجنا منها مفكرين فيما عايناه ، وإنا لنجد روائح الخمر معنا ومعاني السكر فينا ظاهرة ، فلم نزل نسير يومنا أجمع ، وليس بنا جوع ولا عطش ،