حتى أتى الاسكندرية الاولى فعاث فيها وهدم كثيرا منها وغير معالمها ، إلى أن دخل النيل من ناحية رشيد ، وصعد إلى منف ، وأهل تلك البلاد يحاربونه وهو ينتهب ما مر عليه ، فوجد منفا ممتنعة بالطلسمات الشداد ، والمياه العميقة والسرادقات العالية فأقام عليها أياما كثيرة فحاربها طمعا أن يصل إليها ، فلم يقدر ورأى كثرة الناس عليها ، وأنهم كل يوم يزيدون وأصحابه ينقصون ، فاغتاظ على الكاهن وأراد قتله فلم يمكنه.
وفر إلى أهله فسيروه حتى أمر الكهان إلى أوله من الظهور فرجع إلى حاله (١) وهلك من أصحابه خلق كثير ، واجتمع أهل النواحي فقصدوا مراكبه ، فأحرقوا أكثرها فأجمع هو ومن معه على الهروب.
ولما علم أهل مصر بذلك الكاهن الذي كان معه ، انحشدوا إليه بما قدروا عليه من المراكب ، وظفروا بأكثر أصحابه فقتلوهم وغرقوا مراكبهم ، فكان أعظم مطالب ملكهم أن يخلص نفسه ، فأسرع الهرب في مركب استجاده لمثل ذلك الحال.
ففر وسلط الله على مراكبهم رياحا غرقت كثيرا منها ، فما عادوا إلى الافرنجة إلا وملكهم قد ثقل بالجراحات التي أصابته ، ورجع الناس إلى منازلهم وقرارهم ورجع الملك إلى مصر وترك ما كنزه في موضعه عتيدا له.
ويقال انه كان هناك إلى هذا الوقت ، ولم يزل بعد ذلك الوقت يغزو بلاد الروم ، وأهل الجزائر ، ويعيث فيها ويخربها ، فهابته الملوك.
وأقام ملكا سبعا وستين سنة ، وهلك ودفن بمنف في ناووسه الذي كان عمل له في وسط المدينة من تحت الارض ، وجعل الدخول إليه من خارج
__________________
(١) هكذا في الاصول ، ولم نغير فيها شيئا.