والطيور والوحش هربوا منها ، وكذلك كل دابة تراها تهرب منها ، وتفر بين يديها.
وفي هذا البحر جزيرة تظهر سته اشهر وتغيب شته أشهر بكل من فيها تعود إلى هيئتها ، وقيل إنها جزيرة مدبرة.
وجزيرة ملكان ، وملكان دابه عظيمة بحرية ، قد استوطنت تلك الجزيرة ، ولهذه الدابة رؤوس كثيرة ، ووجوه مختلفة ، وأنياب معقفة ، وليس لها طعام إلا ما تصيده من دواب البحر.
وقيل انها مركب لبعض ملوك الجن من اهل البحر ، لان لها جناحين إذا إقامتهما ، وجمعت بين رأسيهما صارا كأنهما رف يلتبس بظل من الشمس ** وذكرتها الاوائل ، وزعموا أنها بقدر الجبل ، وجزيرة ملكان فيها أمة مثل خلق الانسان إلا أن رؤوسهم مثل رءوس الدواب يغوصون في البحر ويخرجون (١) بما قدروا على إخراجه من دواب البحر فيأكلونه.
وجزيرة صيدون ، وصيدون هذا ملك وهذه الجزيرة مسيرة شهر في مثله ، وكان بها عجائب كثيرة وأشجار وأنهار ، وكان في وسطها مجلس على عمد مرمر ملون ، وكان المجلس من ذهب مفصل بانواع الجوهر يشرف على هذه الجزيرة وقيل إن هذا الملك كان ساحرا ، وكانت الجن تطوف به تعمل له العجائب فدل بعض الجن سليمان عليه السلام علية فغزاه سليمان وخرب الجزيرة وقتل اكثر اهلها ، لانهم كانوا يعبدونه ، وأسر منهم خلقا كثيرا وآمن به اكثرهم ، واسر ابنة لصيدون لم يكن على وجه الارض في زمانها اجمل منها ولا اكمل كمالا وظرفا وحلاوة ، فاصطفاها سليمان عليه السلام لنفسه وتزوجها وكانت تديم البكاء والحزن لمفارقتها لملك أبيها وغضارة نعيمها وأنس حشمها وخدمها وأهلها ، فقال لها سليمان عليه السلام : ما لي اراك
__________________
(١) ب : ويخرجوا.