على إنهاء حياته وإطفاء نوره بقتله في داره غيلة ، لكن الله سبحانه حال بينهم وبين أمنيتهم الخبيثة ، ورد كيدهم إلى نحورهم ، فخيب رجاءهم باخبار الرسول بالمؤامرة والمكيده فلم ير النبي الاعظم بداً من مغادرة مكة متوجها إلى يثرب ، ولما نزل دار مهجره ، اجتمع حوله رجال من الأوس والخزرج فبايعوه ووعدوه بالنصر والمؤازرة ، تأكيداً للبيعة التي أجراها نقباؤهم مع النبي الأكرم في « منى » أيام إقامته في مكة فصار النصر حليفه ، والتقدم في مسير الدعوة أليفه.
ولكن خصماءه الالداء ما تركوه حتى بعد مغادرة موطنه ، فأخذوا يشنون عليه الغارة المرة ، بعد الاخرى ، ويحزبون الاحزاب عليه ، ويستعينون باليهود وبمشركي الجزيرة عامة ليطفئوا نور الله والله متم نوره ولو كره الكافرون ، فهم أرادوا شيئاً ، والله سبحانه أراد شيئا آخر فإذا قضى أمرا يقول له كن فيكون.
وعندئذ أخذت الدعوة الالهية بالتقدم والانتشار في اكثر الاصقاع والربوع من الجزيرة العربية ، بعونه ومشيئته سبحانه ، وبطولة أصحابه ومعتنقيه وببركة التضحيات الثمينة التي يقدمها النبي والمؤمنون في مجالها ، فبدت يوادر اليأس على الاعداء وأذعنوا إلى حد ما بأنه ليسوا بمتمكنين من ايقاف الدعوة ، وعرقلة مسيرها إلا أنه بقيت لهم نافذة رجاء وهو أن صاحب الدعوة على زعمهم ـ ليس له عقب يخلفه فهو يموت وتموت به دعوته ويعود الامر على ما كان عليه وتصبح الارض خالصة للوثن والوثنيين فكانوا ينتظرون ذلك اليوم وإليه يشير سبحانه : « أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ، قل تربصوا فإنى معكم من المتربصين ، أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون » (١).
وكان القوم يحلمون بهذه الرؤية الشيطانية ، ويتربصون به ريب المنون لا يشكون في أن دعوته ستموت بموته لانه في منظرهم ملك في صورة نبي ، وسلطته سلطة في صورة دعوة إلهية فلئن مات أو قتل انقطع أثره وخمد ذكره ، كما هو المشهود من حال الملوك والجبابرة مهما تعالى أمرهم ، وبلغوا عن التكبر والتجبر وركوب رقاب الناس ، مبلغا عظيماً كان الخصم يحلم بهذه الامنية الشيطانية حتى جاء أمين الوحي
__________________
(١) الطور / ٣٠ ـ ٣٢.