فأدهشهم وطارت عقولهم فامر النبي بتنصيب علي عليهالسلام لمقام الولاية الالهية ، واستخلافه في امر المسلمين بعده فخاطبه بقوله : « يا ايها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس » (١).
فقام النبي صلىاللهعليهوآله في محتشد عظيم من الناس التف حوله وجوه المهاجرين والانصار وأخذ بيد علي (ع) ورفعها وقال ألست أولى بكم من أنفسكم. قالوا اللهم بلى فقال من كنت مولاه فهذا علي مولاه. اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله (٢).
فصار عمل النبي صلىاللهعليهوآله وقيامه بواجبه في تنصيب علي عليهالسلام مقام القيادة بعد وفاته ، سبباً ليأس المشركين قاطبة فأذعنوا أن النبي نور لا يطفأ ، وسراج لا يخبو وأن كتابه فرقان لا يخمد برهانه ، وتبيان لا تهدم أركانه ، وعز لا تهزم أنصاره ، وحق لا تخذل أعوانه. وقد نزل أمين الوحي يبشر النبي الأكرم عن قنوط المشركين ويأسهم. إذ قال سبحانه : « اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون. اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا » (٣).
وحيث إن هذه الواقعة التاريخية الكبرى وقعت ـ عند منصرف النبي من حجة الوداع ـ في مكان يسمى بغدير خم ، سميت بواقعة الغدير واشتهر في جميع الاجيال بهذا الاسم وجاء في القصائد والاشعار بهذا العنوان.
لم يكن يوم الغدير أول يوم نوه فيه النبي الأكرم بمقام علي وفضله ومنقبته ، ولا آخره بل كانت النبوة والإمامة منذ فجر الدعوة الالهية صنوين. فقد أصحر النبي بإمامة وصيه ووزارة وزيره يوم جهر بدعوته بين قومه واسرته في السنة الثالثة من بعثته ، يوم أمره سبحانه بانذار الأقربين من عشيرته. فدعى الاقربين إلى داره فخاطبهم بقوله :
__________________
(١) المائدة / ٦٧. وتسمى الآية آية البلاغ لاشتماله على لفظة بلغ. راجع للوقوف على مصادر نزولها في حق الامام علي عليهالسلام كتب الحديث والتفسير وكفانا في ذلك ما حققه الشيخ الاكبر الاميني في كتابه « الغدير » ج ١ ص ٢١٤ ـ ٢٢٩.
(٢) لاحظ مصادر حديث الغدير في موسوعة « الغدير » ج ١ ص ١٤ ـ ١٥١.
(٣) المائدة / ٣.