ويكره إليهم الشر «فالغالب بالشر مغلوب».
ويبغض إليهم النقاق ، فإنما يخاف عليهم كل منافق الجنان ، عالم اللسان ، يقول ما يعرفون ، ويفعل ما ينكرون.
ويستعظم أمر الخيانة ، فإن أعظم الخيانة خيانة الأمة. وأفظع الغش غش الأئمة.
وينتهى عن الإسراف والتبذير ، فإنما المال مال الله! إلا وإن إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف ، وهو يرفع صاحبه في الدنيا ويضعه في الآخرة ، ويكرمه في الناس ويهينه عند الله.
ويستعيذ بالله من الفقر ، فإنه منقصة للدين ، مدهشة للعقل ، داعية للمقت!
والفكرة في خطب علي ورسائله وحكمه عميقة من غير تعقيد ، بسيطة من غير إسفاف ، مستوفاة من غير إطناب ، يلونها ترادف الجمل ، ويزينها تقابل الألفاظ ، وينسقها ضرب من التقسيم المنطقي يجعلها أنفذ في الحس ، وألصق بالنفس.
وكان ينبغي لعلي أن تقذف بديهته بتلك الحكم الخالدة. والآراء الثاقبة ، بعد أن نهل المعرفة من بيت النبوة ، وتوافرت له ثقافة واسعة ، وتجربة كاملة ، وعبقرية نفاذة إلى بواطن الأمور.
وتتسم أفكار على غالبا بالواقعية ، إذ كان يستمد عناصرها من بيئته الاجماعية والجغرافية ، فأدبه ـ من هذه الناحية ـ مرآة للعصر الذي عاش فيه ، صور منه ما قد كان أو ما هو كائن.ولقد يطيب له أحيانا أن يصور ما ينبغي أن يكون ، فتغدو أفكاره مثالية عصية على التحقيق.
وما من ريب في أن الكتاب والسنة قد رفداه بينبوع ثر لا يغيض ، فتأثر بأسلوب القرآن التصويري لدى صاغة خطبه ورسائله ، واقتطف من القرآن والحديث كثيرا من الألفاظ والتراكيب والمعاني ، وقد حرصنا على إبرازها في فهارس «النهج» من طبعتنا هذه.
وأما عاطفة علي فثائرة جياشة تستمد دوافعها من نفسه الغنية بالانفعالات ، وعقيدته الثابتة على الحق ، فما تكلم إلا وبه حاجة إلى الكلام ، وما خطب إلا ولديه باعث على الخطابة