«احتملت من المصائب الكثير على أن هذا الاحتمال صعب أليم» قد يتطرق إلى البال ان احتمال المصائب سهل فأتي باستدراك هذا المعنى بواسطة الحرف «على» ، وكقول الشاعر :
بكلّ تداوينا فلم يشف ما بنا |
|
على أنّ قرب الدّار خير من البعد |
على أنّ قرب الدّار ليس بنافع |
|
إذا كان من تهواه ليس بذي ودّ |
فقد بيّن أن التداوي بالقرب والبعد لم يفده ويستدرك الأمر بقوله : على أن قرب ... و «على» التي تفيد الاستدراك هي بمنزلة «لكن» ، فلا تعلق لها وتعتبر حرف ابتداء.
٩ ـ تكون «على» بمنزل الاسم ، وبمعنى «فوق» إذا دخلت عليها «من» ، كقول الشاعر :
غدت من عليه بعد ما تمّ ظمؤها |
|
يصلّ وعن قيض بزيزاء مجهل ... |
وفيه «على» اسم بمعنى «فوق» مبنيّ على السّكون في محلّ جر بـ «من» ، «والهاء» : في محل جر بالإضافة. وقد اتصلت «على» بالضمير المجرور بها في كلمة «عليه» فقلبت ألفها «ياء» ، فتقول : عليه ، وعليك ، وعلينا ، وعليها ... وكقول الشاعر :
إذا طلعت شمس النّهار فإنّها |
|
أمارة تسليمي عليك فسلّمي |
أمّا إن كان الضمير هو «ياء» المتكلم وجب إدغام الياءين ، مثل : «عليّ أن أسعى جاهدا حتى لا يبقى عليّ سوى القليل من الواجبات الاجتماعيّة» ، فقد أدغمت «الياء» المنقلبة عن «ألف» من آخر «على» مع «ياء» الضمير فصارت «عليّ».
١٠ ـ وتكون «على» زائدة للتّعويض من أخرى محذوفة ، كقول الشاعر :
إنّ الكريم وأبيك يعتمل |
|
إن لم يجد يوما على من يتّكل |
فقد حذفت «على» بعد «يتكل» والأصل : «يتكل على الله» وعوض منها بـ «على» السابقة وقد تكون زيادتها لغير تعويض كقول الشاعر :
أبى الله إلّا أنّ سرحة مالك |
|
على كلّ أفنان العضاه تروق |
وفيه «على» زيدت بغير تعويض لأن الفعل «راق» متعدّ بنفسه ، وربّما تضمّن معنى «تشرف».
١١ ـ وتكون بمعنى «اللّام» كقوله تعالى : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(١) وكقول الشاعر :
علام تقول الرمح يثقل عاتقي
١٢ ـ وتكون أيضا بمعنى «عند» ، كقوله تعالى : (وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ)(٢) أي : عندي.
ملاحظات :
١ ـ منهم من يرى أن «على» لا تأتي إلّا حرفا ، وردّ هذا القول لأن حرف الجر لا يدخل عليه مثله.
٢ ـ منهم من يرى أنها لا تأتي إلا اسما وقد ردّ قوله بدليل حذفها من الشعر كما في القول :
تحنّ ، فتبدي ما بها من صبابة |
|
وأخفي الذي لو لا الأسى لقضانى |
والتقدير : تحنّ عليّ ، وبدليل حذفها مع الضّمير في الصّلة ، كقول الشاعر :
__________________
(١) من الآية ٥٤ من سورة المائدة.
(٢) من الآية ١٤ من سورة الشعراء.