ما بلغ ، وانه وفد على البصرة ، وهو غلام ليسمع الحديث ، فذهب مع جماعة إلى مشايخ البصرة ومحدثيها ، وكلهم يكتب ما يتلى عليه ، الا هو فانه كان يستمع ولا يكتب ، وفي خلال خمسة عشر يوما دون اصحابه خمسة عشر الف حديث ، ولما لاموه على عدم الكتابة ، اعاد عليهم كل ما سمعه وسمعوه ، مما اضطرهم ان يعرضوا ما دونوه على محفوظاته (١).
ومن تتبع ما قيل فيه. وما نسب إليه ، يجد ان اتباعه قد غالوا في تقديسه وتعظيمه حتى خرجوا بذلك عن الحد المألوف ووضعوه في مستوى الاساطير ، وكلمة المقدسي وحدها ، «كل من روى عنه البخاري فقد جاز القنطرة» التي تعبر عن رأي الجمهور فيه ، هذه الكلمة وحدها تكفي للتعبير عن غلوهم المتطرف فيه ، ولو نزهوه عن هذه المبالغات والمقالات ، وتركوه لآثاره ومؤلفاته ، التي توفيه حقه كاملا غير منقوص لو فعلوا ذلك لابعدوا عنه وعن صحيحه الطعون المسددة التي وجهها ويوجهها لهما كل باحث منصف ينشد الحقيقة مجردا عن جميع العوامل والمؤثرات ، ولكنهم لما أبوا الا ان يجعلوه ثاني القرآن ، أبى الباحثون المنصفون الا ان ينظروا إلى البخاري. كمحدث اجتهد في جميع الحديث وتدوينه يخطئ ويصيب ، والى كتابه كغيره من مجاميع الحديث التي جمعت الغث والسمين ، والصحيح والفاسد.
__________________
(١) انظر ص ٢٥١ وما بعدها من الجزء الثاني مقدمة فتح الباري وانظر شذرات الذهب ج ٢ ص ١٣٤ و ١٣٥.