صحة هذا القول ، ان رواية ابي اسحاق المستعلي ، ورواية ابي محمد السرخسي ، ورواية ابي الهيثم الكشمهيني ، ورواية ابي زيد المروزي مختلفة بالتقديم والتأخير ، مع انهم انتسخوا من اصل واحد ، وانما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة أو رقعة مضافة انه من موضع ما فاضافه إليه.
ويبين ذلك انك تجد ترجمتين واكثر من ذلك متصلة ليس بينهما احاديث (١) وقد انتقد المحدثون والحفاظ البخاري بانه لم يتقيد بالنص الحرفي للرواية ، واحيا نا ينقل الرواية بالمعنى ، وان رواياته تشتمل على المكرر والمعلق والموقوف ، والمقطوع (٢) وغير ذلك من عيوب الرواية.
ومن الجائز القريب ان يكون البخاري رحمه الله قد وضع في حسابه ان لا يضع الصيغة النهائية لكتابه الا بعد جمعه اولا ثم تمحيص اسانيده ، ومحاكمة متونه ، ولكن الاجل قد وافاه بعد الفراغ من الجولة الاولى ، التي تم له فيها ان يجمع تلك الكمية من الاحاديث بعد أن أنفق شطرا كبيرا من عمره متجولا في المدن الاسلامية الكبرى التي تحولت مساجدها ونواديها ، وبيوت علمائها إلى معاهد لتدريس الحديث وتدوينه ولغير ذلك من العلوم والفنون ، وفي هذه المرحلة كان يدون الاحاديث احيانا كما تنقل إليه واحيانا يعتمد على ذاكرته التي كانت اشبه بآلة للتسجيل تلتقط جميع ما يصل إلى فضائها من الاصوات كما يستنتج ذلك من كتب التراجم التي وضعته في مستوى الاساطير ، ولم يمهله الاجل لتمحيص اسانيده
__________________
(١) انظر الأضواء ص ٣٤٨ عن مقدمة فتح الباري.
(٢) المراد من المعلق هو الحديث الذي لم يذكر فيه السند من اوله ، كأن يرويه ابتداء عن أبن عمر عن النبي (ص) والموقوت هو الذي ينتهي سنده إلى الصحابي من غير ان يتعرض للنبي في قول أو فعل والمقطوع هو الذي ينتهي سنده إلى التابعي ولا يتعداه.