الله هل يرى : ولقد وقف شعري مما قلت ، من حدثك ان محمدا رأى ربه فقد كذب ، ثم قرأت : «لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار ، وهو اللطيف الخبير» «وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحيا أو من وراء حجاب» ومن حدثك انه يعلم ما في غد فقد كذب ، ثم قرأت : «ما تدري نفس ماذا تكست غدا» ومن حدثك بانه قد كتم شيئا مما اوحي إليه فقد كذب (١).
هذه الرواية تتنافى مع المرويات التي تنص على انه يرى كما يرى القمر ليلة تمامه والشمس ساعة تنجلي عنها السحب والغيوم ، ولا بد من تكذيب احدى الطائفتين ، ولا شك إذ رواية السيدة عائشة تتفق مع الكتاب ويؤيدها العقل فهي اولى بالقبول والاعتبار ، ومروياتها اقرب إلى الواقع من مرويات ابي هريرة ، ولو قال قائل ان تلك المرويات مستوحاة من كتاب الله تعالى حيث جاء في بعض آياته ما يشير إلى ان له وجها ويدا ورجلا ، وانه يجلس على عرشه وغير ذلك ، قلنا في جوابه ان القرآن يفسر بعضه بعضا ولا بد من ملاحظة سياق الآية واسباب نزولها ، وضم اولها إلى آخرها وبالاضافة إلى ذلك لا بد من تحكيم العقل عندما يصطدم به الظاهر منها ، لا سيما بعد ان كان القرآن يتحمل اكثر من معنى واحد ، وكل واحد من المعاني إذا كان مقبولا تتحمله الآيات بمجموعا ومفرداتها ، ومما لا شك فيه ان تفسير اليد بالقوة ، والوجه بالقدرة ، والاستواء بالاستيلاء ، ومجئ الرب بمجئ اوامره ونواهيه هو المتعين من تلك للآيات ، ويتناسب مع الاسلوب القرآني وبلاغته ، وفي نفس الوقت يندفع محذور التجسيم والتشبيه الذي يلازم الاخذ بظواهر تلك المفردات.
ولعل الذي دعا المحدث الجليل محمد بن اسماعيل إلى تدوين هذه المرويات في جامعه ، ان رواتها من الصحابة والصحابة لا ينطقون عن الهوى لانهم فرق الشبهات والاهواء كما زعم الجمهور من اهل السنة.
__________________ـ
(١) انظر ص ٢٧٤ / ج / ٤ وص ١٩٣ / ج / ٣.