الشطر الاول من العهد الاموي ، لم يكن يعني معاوية واتباعه شئ غير مطاردة الشيعة والتنكيل بهم في مختلف انحاء البلاد واكراههم على سب علي والبراءة منه ومن ابنائه ، فلم يسلم منهم الا من تستر بعقيدته واظهر مجاراتهم في القول والفعل ، ونسج على منواله جميع الامويين وعمالهم نحوا من قرن من الزمن تقريبا ، ولما جاء دور العباسيين ، وهم الاقربون لعلي وآله (ع) ترقب الشيعة انها ساعة الخلاص من ذلك العهد الجائر وقبل ان تمتلئ رئتاهم من النفس المريح ، وإذا بالحكام الجدد الذين تستروا اولا بمكافحة الظلم ، وتباكوا على القتلى من بني عمومتهم ، يمارسون اسلوب اسلافهم باقبح الصور ، وبشكل لم يهتد إليه سلفهم «الصالح من قبل» حتى قال القائل :
يا ليت جور بني مروان دام لنا |
|
وليت عدل بني العباس في النار |
وهكذا توالت عليهم النكبات من السلاجقة إلى الايوبيين ، إلى الاتراك ، ولم يتنفسوا من ظلم الحاكم الذي حكم باسم الدين والاسلام نحوا من ثلاثة عشر قرنا ، الا بعد ان تقلص عهد الاتراك البغيض المملوء بالمخازي والمفاسد ، وجاء عهد الاتتداب ، ومن ثم عهد الاستقلال ، العهد الذي تبدل فيه نوع الحكم ، فاحس الشيعة في جميع الاقطار وبخاصة في لبنان بوجودهم وتفتض لهم نوافذ الحرية ، ولكن رواسب تلك العهود البغيضة ظلت تسيطر على الملايين من المسلمين ، وبقي الكتاب من خلالها ينظرون إلى الشيعة نظرة الحاقد الحسود الذي لا يبصر الا من زاوية نفسه المعقدة المظلمة فكتبوا عنهم واتهموهم بشتى الالهامات والصقوا بهم البدع جزافا وبلا حساب ، ولا سبب لذلك الا ان التشيع لا يقر الحكومة التي لا تقوم على اساس العدل واحقاق الحق ، ولا يعترف باي سلطة لا تضمن حرية الفرد والجماعة ، وتحمي الشعوب من الاستغلال والجشع ونشر الفوضى ، وتحرص على كرامة الانسان وتهيئ له الحياة الحرة الكريمة مهما كان لونه ونوعه.