صحيح ان ما قيل عن الشيعة ، وما كتب عنهم ولا يزال المتقولون والكتاب يجترونه في كل عصر وزمان ، هو من صنع تلك العصور المظلمة الجائرة ، ولكن قد باء الوقت المناسب لتجاهل تلك المزامير التي تغنى بها اسلافهم قرونا واجيالا ، ولان يملوها كما ملوا من كل قديم لا تفرضه الحياة في مختلف نواحيها ، وان يدرسوا التاريخ ويحاكموه بوعي وانصاف وتجرد ، ونحن على ثقة بانهم لو فعلوا ذلك سيتراجعون عن اكثر مدونات التاريخ واراجيف الحكام وشيوخ السوء ، وسيعلمون ان التقية التي اعتبروها من عيوب التشيع ، يفرضها الواقع ، ويحكم بها العقل في مثل تلك الظروف التي احاطت بالشيعة دون سواهم ، وقد ساعدت على بقاء الاديان وانتشارها اولا واخيرا ، في حين هي ابعد ما تكون عن الباطنية والسرية والرياء ، كما يزعم بعض المؤلفين من السنيين وغيرهم.
فالباطنية مذهب له اصوله وقواعده عند مبتدعيه وواضعيه يتنافى مع اصول الاسلام وقواعده ، وقد كمر ائمة الشيعة المعتنقين لهذه الفكرة والمرائين ، وعدوا الرياء نوعا من الشرك كما جاء في مروية يزيد بن خليفة عن الامابم الصادق (ع) (١).
ان التقية دعوة إلى الخلود والسكينة ، وليست شيئا آخر وراء مجاراة الغير تهربا من شره وضرره حتى يتهيأ الوقت المناسب للوقوف في وجه الطغيان والفساد مع العلم بان جميع الاديان والطوائف تقر مبدأ التقية ، وتدفع المهم بالاهم وتقدم الفاسد على الافسد ، وتأخذ بقاعدة دفع المفاسد اولى من جلب المصالح.
والسنة انفسهم يقرونها ويعملون بها لدفع الاضرار والمفاسد وجلب المصالح والمنافع ، فقد جاء في الجزء الثالث من احياء العلوم للغزالي ، (باب ما رخص فيه الكذب).
__________________
(١) انظر ص ٢٩٣ ، ج ٢ ، من الكافي.