علي في غار حراء
كان النبي ـ حتى قبل أن يبعث بالرسالة والنبوة ـ يعتكف ويتعبد في غار حراء شهرا من كل سنة ، فإذا انقضى الشهر وقضى جواره من حراء انحدر من الجبل ، وتوجه إلى المسجد الحرام رأسا وطاف بالبيت سبعا ، ثم عاد إلى منزله. وهنا يطرح سؤال : وماذا كان شأل علي ـ عليهالسلام ـ في تلك الايام التي كان يتعبد ويعتكف فيها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في ذك المكان مع ما عرفناه من حب الرسول الاكرم له؟ هل كان يأخذ صلىاللهعليهوآلهوسلم عليا معه إلى ذلك المكان العجيب أم كان يتركه ويفارقه؟
إن القرائن الكثيرة تدل على أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم منذ أن أخذ عليا لم يفارقه يوما أبدا فهاهم المؤرخون يقولون :
كان علي يرافق النبي دائما ولا يفارقه أبدا حتى ان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان إذا خرج إلى الصحراء أو الجبل أخذ عليا معه (١).
يقول ابن أبي الحديد : وقد ذكر علي ـ عليهالسلام ـ هذا الامر في الخطبة القاصعة إذ قال : «ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فأراه ولا يراه غيري» (٢).
إن هذه العبارة وإن كانت محتملة في مرافقته للنبي في حراء بعد البعثة الشريفة إلا أن القرائن السابقة وكون مجاورة النبي بحراء كانت في الاغلب قبل البعثة ، تؤيد أن هذه الجملة ، يمكن أن تكون اشارة إلى صحبة علي للنبي في حراء قبل البعثة.
إن طهارة النفسية العلوية ، ونقاوة الروح التي كان علي ـ عليهالسلام ـ يتحلى بها ، والتربية المستمرة التي كان يحظى بها في حجر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، كل ذلك كان سببا في أن يتصف علي ـ عليهالسلام ـ ومنذ نعومة أظفاره ـ ببصيرة نفاذة وقلب
__________________
(١) شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ١٣ / ٢٠٨.
(٢) نهج البلاغة : الخطبة القاصعة الرقم ١٨٧.