ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير.
وقد توافقني على أن مقام الصديق والفاروق (رض) في الإسلام يرتفع بهما عن الفرار المحرم فلا بد انهما تأولاً ووجداً عذراً في فرارهما ونحن نعلم انّ مجال الاجتهاد والتأويل عند الخليفة كان واسعاً حتى انّه اعتذر عن خالد لما قتل مسلماً متعمداً بأنّه اجتهد فأخطأ (١).
عذرتكما ان الحمام لمبغض |
|
وانّ بقاء النـفس للنفس محبوب |
ليكره طعم الموت والموت طالب |
|
فكيف يلذ الموت والموت مطلوب |
ولنعتذر إذا كان فيما قدمناه سبب للاعتذار وقد اضطرنا إلى ذلك الوقوف عند المقارنة الفاطمية وما تستحقه من شرح وتوضيح.
قالت : ـ
« تتربصون بنا الدوائر وتتوكفون الأخبار ».
هذا الخطاب موجه إلى الحزب الحاكم لأنّه هو الذي زعم ما نسبته الزهراء إلى مخاطبيها فيما يأتي من تعليل التسرع إلى اتمام البيعة بالخوف من الفتنة. واذن فهو إتهام صريح له بالتآمر على السلطان واتخاذ التدابير اللازمة لهذه المؤامرة الرهيبة ووضع الخطط المحكمة لتنفيذها وتربص الفرصة السانحة للانقضاض على السلطة وتجريد البيت الهاشمي منها.
وقد رأينا في الفصل السابق انّ الإتفاق السري بين الصديق والفاروق وأبي عبيدة (١) رضي الله عنهم مما تعززه الظواهر التاريخية.
__________________
(١) تاريخ ابن شحنة على هامش الكامل ج ١١ ص ١١٤.
(٢) نعتذر إلى سيدنا أبي عبيدة عن ذكر اسمه مجرداً عن اللقب ، وليس هذا ذنبي بل ذنب الأجل الذي عجل بروحه قبل أن يصير الأمر إليه فيمنحه الناس لقباً من الألقاب ، وأما لقب الامين فالارجح عندي انّه لم يحصل