.................................................................................................
______________________________________________________
فحكم بأن «أهجوتها أم بلت» بمنزلة «ما ذهب الليالي» واقتضى هذا أن «أهجوتها» مؤول باسم هو الفاعل ، كما أن «ما ذهب الليالي» كذلك ، وحينئذ يحصل إشكال ؛ لأنه ليس معنا حرف مصدري ينسبك منه ومما بعده اسم يكون هو الفاعل ، حتى جعل الشيخ أن هذا من المصنف يدل على موافقته القائلين بأن الفاعل يصح أن يكون فعلا ، والظاهر أن المصنف لم يعرج على شيء من ذلك ، ولا يجيز أن يكون الفاعل غير اسم وإنما حكم المصنف على «أهجوتها» بما حكم به على «ما ذهب الليالي» من أجل أن الهمزة فيه للتسوية كما هي بعد ما أبالي ، ولا شك أن المصدر يصح حلوله محل الجملة الواقعة بعد الهمزة المذكورة كما في قوله تعالى : (سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ)(١) ؛ إذ المعنى سواء عليهم الإنذار وعدمه [٢ / ٢٢٧] وكذلك إذا قلت : ما أبالي أذهب زيد أم مكث ، المعنى : ما أبالي بذهاب زيد ومكثه (٢) ، وكذا المعنى في البيت : ما ضرّ تغلب وائل هجوك إياها وبولك ؛ إذ المعنى استواء الأمرين عندهما ، فكما أن قوله : حيث تلاطم البحران لا يضرها ، كذلك هجوه إياها لا يضرها أيضا (٣).
أما المسألة التي أشار إليها الشيخ فلم تجر للمصنف ببال ، غير أن المنقول أن من النحاة من يجيز ذلك ، قال ابن عصفور بعد أن ذكر أن الفاعل لا يكون إلا اسما : هذا مذهب الفارسي والمبرد وجمهور البصريين ؛ لأن وقوع الجملة عندهم في موضع الفاعل غير سائغ ، وهو الصحيح (٤).
وذهب جماعة من الكوفيين منهم هشام وأحمد بن يحيى إلى أن وقوعها في ـ
__________________
والخزانة (٢ / ٥٠١) عرضا ، والحيوان للجاحظ (١ / ١٣) ، والبيان والتبيين (٣ / ٢٤٨). وديوان الفرزدق (ص ٨٨٢).
والشاهد قوله : «ما ضر تغلب وائل أهجوتها أم بلت» ؛ حيث جاء الفاعل مصدر مؤولا بلا سابك لوقوع الجملة بعد همزة التسوية ، والتقدير : ما ضر تغلب وائل هجوك إيّاها وبولك حيث تلاطم البحران.
(١) سورة البقرة : ٦.
(٢) ينظر : الكتاب (٣ / ١٧٠).
(٣) ينظر : الأمالي الشجرية (١ / ٢٦٦).
(٤) لم يصرح ابن عصفور في المقرب ولا في شرح الجمل بنسبة هذا القول إلى الفارسي والمبرد وجمهور البصريين كما قال الشارح هنا ، وربما يكون قد قال هذا في كتاب آخر يقول ابن عصفور في المقرب (١ / ٥٣) : «الفاعل هو اسم أو ما في تقديره متقدم عليه ما أسند إليه لفظا أو نيّة على طريقة فعل أو فاعل».
ويقول في شرح الجمل (١ / ١٥٧) ـ طبعة العراق ـ : «الفاعل هو كل اسم أو ما هو في تقديره أسند