وهذه غريبة منه ـ سبب قتله : أن يهوديا أسر امرأة من بني الحسحاس وجعلها في حصن له ، فبلغ ذلك سحيما فأخذته الغيرة فخلص المرأة من اليهودي ، وأوصلها إلى قومها. فأرادت أن تكافئه ، فكان بينهما هوى ، وغزل ففطنوا له وقتلوه خشية العار.
أما القتل خشية العار ، فهذا إما جاهلي ، وإما أن يكون في العقود المتأخرة عن صدر الإسلام ، لأن القصاص في عصر الخلفاء الراشدين ، لم يكن إلا بحكم شرعي. وتقول قصته أنه قتل في عهد عثمان ، وأنه خلّص امرأة من يهودي.. الخ. أين كان هذا اليهودي صاحب الحصن؟ والمعروف المشهور الثابت أنه لم يبق يهوديّ في الجزيرة العربية في عهد عمر بن الخطاب : أما المدينة التي تدور فيها أحداث قصته فقد خلت من اليهود تماما في العهد النبويّ ، وبقيت قلّة في خيبر ووادي القرى ، فلما تولى عمر أجلاهم ، لأن رسول الله قال : لا يجتمع في جزيرة العرب دينان : فأين كان هذا اليهودي الذي يأسر الفتيات وله قوة وحصن؟.
وقد يقول قائل : ما بالك تخلط في هذا المعجم بين الشواهد النحوية والتاريخ؟ قلت : وما أرهقت نفسي في إخراج هذا المعجم. إلا من أجل هذا ، لأنني وجدت أكثر ما يرّوج من التاريخ الكاذب ، عن طريق الشواهد النحوية.
وقولي هذا ، لا يطعن في هذه الشواهد كلّ الطعن ، ولكنني أطعن فيما حاكوه حول الشاهد من القصص.
فالبيت الشاهد ، قد يكون قاله الشاعر المنسوب إليه ولكن الأدباء عند ما دونوا هذه الأشعار وصلتهم في عهد متأخر عن زمن قولها فأرادوا أن يقدموا مناسبة القول بين يدي النصّ ، فضلوا وأضلوا ، لأنهم لا يملكون أخبارا مسندة إلى زمن الشاعر. فلجأوا إلى أهل القصة وأخذوا منهم ما قالوه دون تحقيق.
(١١٠) ولكلّ ما نال الفتى |
قد نلته إلّا التحيّه |
البيت لزهير بن جناب ، وهو جاهليّ قديم ، وكان قد عمّر طويلا ، فقال قبل البيت الشاهد :
الموت خير للفتى |
فليهلكن وبه بقيّه |
|
من أن يرى الشيخ الكبير |
يقاد يهدى بالعشيّه |