غير مقدور لذهاب الأدلّة إلىٰ غير ما يراه الآخر ، فقد تؤدّي به إلىٰ أن حكم الله دائر مدار اجتهاد المجتهد ، فما أدّىٰ إليه نظره بعد بذل ، وسعه وطاقته في استنباط الحكم فهو حكم الله في حقّه وحقّ مقلّديه ، وهو علىٰ قوله بالتصويب فيه إشكال عند الآخر. مضافاً إلى أن رجوع الشافعيّ إلى الحنفيّ ليس بأولىٰ من رجوع الحنفيّ إليه ، وكذا في غيرهما ، ومخالف لما اتّفق عليه إخواني من أهل السنة وهو : أن من أخذ بقول واحد من الفقهاء الأربعة فقد أصاب ، وعمل بالصواب ، وكان معذوراً يوم الحساب (١).
ولا ينافي تحقّق الاتّحاد بيان ضعف دليل الآخر أو بطلانه بالحجّة الواضحة ، ليرجع عن الخطأ في القول. ولا ينافيه تنويه كلّ بمذهبه بما لا يمسّ مذهب الآخر ، كما لا ينافي تحقّق الاتّحاد الاختلافُ في الفروع؛ لوقوعه بين أئمّة المذاهب ، بل في المذهب الواحد.
والكلّ مأجور فيما أصاب ومعذور في الخطأ؛ لأخذه بالحجج والبيّنات والبراهين والدلالات. فما أدّىٰ إليه رأيه بحسبها فهو الحقّ اليقين ، ولا يضرّه الخلاف فيه ولا قلّة القائل به. كما لا ينفع كثرة القائل به؛ إذ لم يكن دليل عليه ولا حجّة لقائله.
وفيما أعلم أنْ ليس أحد من الفقهاء إلّا وعنده رأي يخالفه الآخر
__________________
(١) أحكام الزوااج على المذاهب الأربعة : ١١ ـ ١٢.