منه المحكم الذي لا يخطئه السامع ، ولا يغرب عن الفهم ، ومنه ما حفل بضروب المجازات ، وأنواع الكنايات والإشارات والتلويحات.
وقد كان هذا الضرب الثاني ، أفعل في نفوسهم ، وأكثر استهواء لهم ، فأنزل القرآن مفرغا في الأسلوبين ، حاويا للنوعين ، ليكون التحدي أعم وأشمل ، ولو نزل كله محكما لما ترددوا في التماس المطاعن ، ولما أحجموا عن المكابرة واللجاج والاعتراض ، ولقالوا : هلّا نزل بالضرب الذي نستحسنه ، ونميل إليه؟ هذا من جهة ، ومن جهة ثانية لما يتميّز به المتشابه من كدّ القرائح في استخراج المغالق واكتناه المرامي ، وحسر الستار عن الطرائف التي تتعالى على النظرة السطحية البدائية ، حتى إذا فتح الله عليه وتمكن من سبر أغوار المتشابه ، كان إيمانه أرسخ ويقينه أقوى من أن تعصف به الشبهات.
(الزيغ) الميل عن الحق والجنوح الى الباطل. والزاي والياء إذا وقعتا فاء وعينا للكلمة أفادتا هذا المعنى وسمي الزيت زيتا لأنه سائل يميل بسرعة ، وزاغت الشمس تزيغ مالت ، وقس على ذلك.
الإعراب :
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) كلام مستأنف مسوق لتفصيل آيات الكتاب وأنها قسمان : قسم يفهمه الناس ، وقسم لا يفهمونه لقصورهم وعجزهم. وهو مبتدأ والذي خبره وجملة أنزل عليك الكتاب لا محل لها لأنها صلة الموصول وعليك متعلقان بأنزل والكتاب مفعول به (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) الجملة حال من الكتاب والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم وآيات مبتدأ مؤخر ومحكمات صفة لآيات (هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) الجملة صفة ثانية لآيات وهن ضمير منفصل في محل