البلاغة :
في قوله : «أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون» فنّ طريف ، وهو فن الإيغال ، وفحواه أن يستكمل المتكلّم كلامه قبل أن يأتي بمقطعه ، فإذا أراد الإتيان بذلك أتى بما يفيد معنى زائدا على معنى ذلك الكلام. وهو ضربان :
١ ـ إيغال تخيير : كما في هذه الآية ، فإن المعنى قد تمّ بقوله :
«ومن أحسن من الله حكما» ، ولما احتاج الكلام الى فاصلة تناسب ما قبلها وما بعدها ، أتت تفيد معنى زائدا ، لولاها لم يحصل ، وذلك أنه لا يعلم أن حكم الله أحسن من كل حكم إلا من أيقن أنه واحد حكيم عادل ليبقى توحيده الشريك في الحكم الذي انفرد به ، ولم يكن له معارض فيه ولا مناقض له ، ويحصل من حكمته وضع الشيء في موضعه فيؤمن منه وضع الحق في غير موضعه ، وينفي العدل عنه الجور في الحكم ، ثم عدل عن قوله : «يعلمون» الى قوله : «يوقنون» ليكون علمهم بربهم علم قطع ويقين.
الإيغال الاحتياطي في الشعر :
أما الإيغال الاحتياطي في الشعر فهو في القوافي خاصة لا يعدوها ، ويسميه بعضهم التبليغ ، حكى الحاتميّ عن عبد الله بن جعفر عن محمد ابن يريد المبرّد قال : حدثنى التوزيّ قال : قلت للأصمعي : من أشعر الناس؟ قال : الذي يجعل المعنى الخسيس بلفظه كبيرا ، أو يأتي الى المعنى الكبير فيجعله خسيسا ، أو ينقض كلامه قبل القافية ، فاذا احتاج إليها أفاد بها معنى. قلت : نحو من؟ قال : نحو الأعشى إذ يقول :