بأسرار البلاغة ، وعلى آله وأصحابه المحرزين قصب السبق ...
______________________________________________________
العجز فى الغير ثم نقل لإظهار العجز فيه ، ثم نقل لأظهار صدق النبى ـ عليه الصلاة والسّلام ـ فى دعواه الرسالة ، فهو مجاز مبنى على مجاز ، وحينئذ فالمعنى : المؤيد دلائل صدقه ، وبأن الإضافة لأدنى ملابسة ، وبيان ذلك : أن الدلائل لما كانت ملابسة لإعجاز الخلق أى إثبات عجزهم عن الإتيان بمثلها ، ودلت على الصدق بواسطته أضيفت إليه.
وفى كلامه من المحسنات البديعية جناس الطباق حيث جمع بين المؤيد والإعجاز ، وهما معنيان متقابلان.
(قوله : بأسرار البلاغة) أى الأسرار المعتبرة فى البلاغة ، وهى مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته ، وأسرارها : الأمور التى يقتضيها الحال ، كالتأكيد عند الإنكار ، وتركه عند عدمه ، وغير ذلك مما سيأتي ، وسميت أسرارا ؛ لأنها لا يعرفها إلا أربابها ، فشبهت بالسر الذى بين اثنين لا يعرفه إلا هما ، واستعير اللفظ الدال على المشبه به للمشبه على طريق الاستعارة المصرّحة ، فإن قلت : من جملة دلائل إعجازه انشقاق القمر ، وسعى الحجر ، وغيرهما ، وأسرار البلاغة ليست موجودة فيهما ، فما معنى كونهما مؤيدين بتلك الأسرار؟ وأجيب بأن المعجزات يؤيد بعضها بعضا ، فالتأييد ثابت لهما بالأسرار بهذا الاعتبار ، وتوضيح ذلك أن القرآن مؤيّد بأسرار البلاغة ، وهو مؤيّد لبقية المعجزات ؛ لثبوته بالتواتر وبقائه على الدوام ، فتكون
الأسرار مؤيّدة لبقية المعجزات ؛ لأن مؤيّد المؤيّد لشيء مؤيد لذلك الشيء ، هذا إن جعلنا إضافة" دلائل" إلى" إعجاز" للاستغراق ، فإن جعلناها للجنس لم يرد السؤال ، وكذا إن جعلناها للعهد وأردنا بدلائل إعجازه : السور القرآنية ، وكل جملة من القرآن قدر سورة ، ومعنى تأييد القرآن بأسرار البلاغة أن أمارات الإعجاز فيه وإن كانت كثيرة من الإخبار بالغيوب ، والأساليب العجيبة ، وغيرهما ، لكن أقوى تلك الأمارات كمال البلاغة الحاصل بتلك الأسرار.
(قوله : المحرزين) صفة للآل والأصحاب ، مأخوذ من الإحراز ، وهو الحوز والضم ، أى : الذين حازوا وضمّوا. (وقوله : قصب السبق) القصب : جمع قصبة ، وهى سهم صغير تغرسه الفرسان فى آخر الميدان يأخذه من سبق إليه أولا ، وإضافة قصب