فى مضمار الفصاحة والبراعة ...
______________________________________________________
السبق من إضافة الدال للمدلول ، أى القصب الدال على السبق ، أى الدال حوزه عليه.
(وقوله : فى مضمار) صفة القصب أى المغروز فى مضمار الفصاحة ، والمضمار محل تسابق الفرسان بالخيل ويقال له أيضا : ميدان ، وإنما سمّى مضمارا لتسابق الفرسان فيه بالخيل المضمرة.
ثم إن الفصاحة سيأتى تعريفها ، وأما البراعة فمصدر (برع) الرجل إذا فاق أقرانه ، فالبراعة : فوقان الأقران ، والمراد بها هنا ما به الفوقان من الكمال والشرف. ثم لا يخفى أن كلا من الفصاحة والبراعة بالمعنى المراد هنا لا مضمار لهما ، وحينئذ ففى الكلام استعارة تمثيلية ، حيث شبّه هيئة الآل والأصحاب فى حوزهم أعلى مراتب الفصاحة والبراعة عند المحاورة والتخاطب ، بهيئة الفرسان فى حوزهم قصب السبق عند التسابق بالخيل فى الميدان ، واستعير اللفظ الموضوع للهيئة المشبه بها للهيئة المشبهة على طريق الاستعارة التمثيلية ، أو استعارة مفردة مصرّحة فى قصب السبق ، بأن شبه ما اختصوا به من بديع العبارات الدال على علو مرتبتهم فى الفصاحة والبراعة بقصب السبق ، واستعير اسم المشبه به للمشبه ، والمضمار ترشيح ، أو مكنيّة فى الآل والأصحاب بأن شبههم بفرسان ، أو فى الفصاحة والبراعة بأن شبههما بالخيل الجيدة الموصلة للمراد ، وإثبات المضمار على كل من الوجهين تخييل ، وإحراز قصب السبق ترشيح ، والفصاحة والبراعة على الأول من الوجهين تجريد ، وأقرب من ذلك أن نقول : الإحراز فى الأصل هو الضم ، والمراد به هنا التحصيل ، والقصب فى الأصل هى السهام الصغيرة التى تغرز فى آخر الميدان بحيث يعد من أخذها أولا سابقا ، والمراد بها هنا النكات الدقيقة ، أى : المحصلين للمعانى الدقيقة الدالة على سبقهم على غيرهم. (وقوله : فى مضمار) حال من الآل والأصحاب أى حال كون الآل والأصحاب تتسابق أذهانهم فى مضمار ، والمراد به هنا الكلام البليغ من كلام الله ورسوله ، فكما أن المضمار الأصلى تركض وتتسابق فيه الفرسان ، كذلك الكلام البليغ تركض فيه أذهان الآل والأصحاب ، وإضافة المضمار بمعنى الكلام البليغ للفصاحة والبراعة ؛ من حيث إنه يفيد أن الراكض فيه ذو فصاحة وبراعة ،