وبعد : فيقول الفقير إلى الله ...
______________________________________________________
كذا قرر شيخنا العلامة العدوى ، ولا يخفى ما فى كلام الشارح من التلميح ، وهو الإشارة لشيء من كلام الله أو كلام رسوله أو قصة أو مثل ، فذكر السبق إشارة لقوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ)(١) ، وذكر البراعة إشارة لقوله عليه الصلاة والسّلام : " لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما ساوى مدّ أحدهم ولا نصفيه" (٢).
(قوله : وبعد ... إلخ) هو ظرف زمان مبنى على الضمّ لقطعه عن الإضافة لفظا لا معنى ، أى : بعد البسملة والحمدلة والصلاة ، ودخول الفاء على توهّم" أمّا" فى الكلام ، والواو عاطفة قصة على قصة أو للاستئناف : إما النحوى وهو ظاهر ، أو البيانى فتكون الجملة واقعة فى جواب سؤال مقدّر ، أى : ماذا تقول بعد البسملة والحمدلة والصلاة؟
فأجاب بقوله : وبعد فيقول ... إلخ ، وعلى هذا الاحتمال ـ أعنى كون" أما" متوهمة والواو عاطفة أو استثنائية ـ فالظرف معمول ل" يقول" ، ويحتمل أن تكون" أما" مقدّرة فى نظم الكلام والواو عوض عنها ، وعلى هذا الاحتمال فعامل" بعد" أما المحذوفة لنيابتها عن فعل الشرط أو فعل الشرط المقدر بمهما يكن من شيء أو جوابه ، وهو يقول.
(قوله : فيقول) مقتضى الظاهر أن يعبّر ب" أقول" لكنه التفت من المتكلم فى" نحمدك" إلى الغيبة ؛ توصلا للوصف بالعبودية التى هى أشرف الأوصاف ، ولو عبر بما يقتضيه الظاهر وأتى بذلك الوصف لكانت جملته فضلة ، واللائق بذلك الوصف أن تكون جملته عمدة. (قوله : الفقير) فعيل بمعنى مفتقر ، وصيغة فعيل تأتى للمبالغة وصفة مشبهة ، وهى هنا للمعنيين ؛ بناء على جواز استعمال المشترك فى معنييه ، وحينئذ فالمعنى : كثير الفقر ودائمه ، وهذا الوصف لازم لكل أحد لا ينفك عنه ، قال تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ)(٣) وهذا معنى البطلان فى قول لبيد (٤) :
__________________
(١) الواقعة : ١٠.
(٢) أخرجه البخارى (ح ٣٩٧٣) ، ومسلم فى فضائل الصحابة (٥ / ٤٠ / ٢٢٣).
(٣) فاطر : ١٥.
(٤) لبيد بن ربيعة فى : ديوانه ص ٢٥٦ ، وديوان المعانى ١ / ١١٨ ، وشرح التصريح ١ / ٢٩ ، والعقد الفريد ٥ / ٢٧٣ ، وخزانة الأدب ٢ / ٢٥٥ ـ ٢٥٧.