(وقوله تعالى : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ) (١) فقوله : (أَنْتُمْ) ليس بمبتدأ لأن (لو) إنما تدخل على الفعل ؛ بل هو فاعل فعل محذوف ، والأصل : لو تملكون تملكون ؛ فحذف الفعل احترازا عن العبث لوجود المفسر ثم أبدل من الضمير المتصل ضميرا منفصلا على ما هو القانون عند حذف العامل ؛ ...
______________________________________________________
(قوله : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ) إن قلت : كيف يتسبب عن ذلك بقية الآية ، وهى قوله : (إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ) أى : الفراغ ، فإن تلك الخزائن لا تتناهى فكيف يتسبب عن ملكها خوف فراغها كما هو مقتضى الشرطية؟ قلت : أجاب بعضهم بأنهم لعلهم يغفلون عن عدم تناهيها ، وإن كانت لا تتناهى فى نفس الأمر فيمسكون مع ملكها خوف فراغها ، أو أن الغرض المبالغة فى حرصهم وبخلهم حتى إنهم لو ملكوا مالا يتصور نفاده أمسكوا (قوله : والأصل لو تملكون تملكون) اعترض بأن فيه جمعا بين المفسر والمفسر وهو غير جائز ، فالأولى أن يقال : والأصل لو تملكون ، وأجيب بأن الثانى يجعل تأكيدا بالنظر لما قبل الحذف ، ثم لما حذف الفعل الأول جعل الثانى تأكيدا فليس فيه جمع بين المفسر والمفسر ، وبعد الحذف يكون تفسيرا وليس فيه الجمع المذكور ؛ لأن المفسر بالفتح محذوف ، ولو قدر الأصل تملكون بدون تكرار لم توجد قرينة تعين ذلك المحذوف فلا بد من التقدير مكررا ليكون الثانى قرينة على حذف الأول لقصد الاختصار مع حصول التأكيد ، ولا يقال : إن الضمير يدل على المقدر إذ لو لا تدخل على جملة اسمية ؛ لأنا نقول إنما يدل على حذف الفعل ولا يدل على عينه ، كما أن لو تدل على الفعل المطلق لا على خصوص تملكون فتأمل. (قوله : فحذف الفعل) أى : وهو تملكون الأول (قوله : لوجود المفسر) أى : وهو تملكون الثانى ؛ لأنه عند حذف الأول يكون الثانى تفسيرا بعد أن كان مؤكدا قبل الحذف (قوله : ثم أبدل من الضمير) وهو الواو فى تملكون المحذوف ضمير منفصل وهو أنتم ، والمراد بالإبدال هنا التعويض لا الإبدال النحوى ، وإلا لكان المحذوف جملة أى : الفعل والفاعل معا ، وحذف بعض الجملة أسهل من حذفها بتمامها مع ما فيه من حذف المؤكد وعامله وبناء التأكيد ، وذلك غير معهود.
__________________
(١) الإسراء : ١٠٠.