وقولهم : «لأمر ما جدع قصير أنفه» (١).
والنكرة غير الموصوفة تنقسم ثلاثة أقسام : قسمان باتفاق ، وقسم فيه خلاف.
فالقسمان المتفق عليهما أن تكون شرطا ، مثل قولك : «ما تفعل أفعل» ، وأن تكون استفهاما ، مثل قولك : «ما صنعت»؟
والقسم الذي فيه خلاف هو أن تكون «ما» تعجبية ، فسيبويه يجعلها نكرة غير موصوفة ، والأخفش يجعلها موصولة ، وقد تقدّم الردّ على أبي الحسن في بابه (٢).
ولا تكون «ما» في غير هذه المواضع تامة غير موصوفة إلّا حيث سمع ، مثل قوله : «غسلته غسلا نعمّا» ، ألا ترى أن «ما» هنا لا يتصور أن تكون زائدة لئلا يبقى الفعل بلا فاعل. ولا يتصور أن تكون موصولة لأنه ليس لها هنا صلة ، فثبت أنّ «ما» هنا تامة ، وليست شرطا ولا استفهاما ولا تعجبية ، ولكنه موقوف على السماع.
والحرفية تنقسم قسمين : زائدة ، وغير زائدة. فغير الزائدة تنقسم قسمين : مصدرية ، ونافية. فالنافية تنفي الفعل الماضي والمستقبل ، وإذا دخلت على المحتمل للحال والاستقبال ، خلّصته للحال.
والمصدرية مثل قولك : «يعجبني ما صنعت» ، تريد : صنعك.
وزعم أبو الحسن الأخفش أن «ما» المصدرية اسم بمنزلة «الذي». فإذا قلت : «يعجبني ما صنعت» ، تقديره : يعجبني الصنع الذي صنعته ، وحذفت الضمير من الصلة.
وهذا فاسد بدليل قوله [من الطويل] :
... |
|
بما لستما أهل الخيانة والغدر (٣) |
ألا ترى أنه لا يسوغ هنا تقديرها ب «الذي» ، أعني «ما» المصدرية لا تدخل على جملة اسمية أصلا.
__________________
(١) هذا القول من أمثال العرب ، وقد ورد في أمثال العرب ص ١٤٦ ؛ وخزانة الأدب ٨ / ٢٧٥ ، ٩ / ٣٢٠ ؛ والدرّة الفاخرة ١ / ١٠٦ ؛ والمستقصى ٢ / ٢٤٠ ؛ ومجمع الأمثال ٢ / ١٩٦ ؛ والوسيط في الأمثال ص ٢٠٣.
يضرب عندما يتوسّل الإنسان أمرا للوصول إلى غايته.
(٢) انظر باب التعجب في هذا الكتاب.
(٣) تقدم بالرقم ٥٤٩.