وأجاب الآخر ، واقررت بالتزويج ، وأقرّت المرأة ، ودعوا بالبركة ، ثم نهضا ، فاستحييت أن أحمّل الجارية مؤونة من الدنيا ، فدفعت إليها دينارا آخر ، فقلت : هذا لطيبك. قالت : يا فتى (١) لست ممن يمس طيبا لرجل ، إنما أتطيب لنفسي إذا خلوت ، فقلت : اجعلي هذا لغدائنا اليوم ، قالت : أما هذا فنعم.
ونهضت الجارية ، وأمرت بصلاح ما نحتاج إليه ، ثم عادت ، وتغدّينا ، وجاءت بدواة وقضيب ، وقعدت تجاهي ، ودعت بنبيذ قد أعدّته ، واندفعت تغنينا بصوت لم أسمع قط بمثله ، وما سمعت بمثل ترنمها لأحد ، فكدت أن أجنّ سرورا وطربا ، وجعلت أريغ ان تدنو مني فتأبى ، إلى أن تغنّت بشعر لا أعرفه :
راحوا يصيدون الظّباء وإنّني |
|
لأرى تصيّدها عليّ حراما |
أعزز عليّ بأن أروّع شبهها |
|
أو ان يذقن على يديّ حماما |
[فقلت](٢) : جعلني الله فداك ، من تغنّى بهذا الشعر؟ قالت : جماعة اشتركوا فيه ، هو لمعبد وتغنّى به ابن سريج ، وابن عائشة ، فلما غلب عليها النبيذ [وجاء](٣) المغرب تغنّت ببيت لم أفهم معناه للشقاء الذي كتب على رأسي ، والهوان الذي أعدّ لي :
كأنّي بالمجرّد قد علته |
|
نعال القوم أو خشب السّواري |
/ فقلت : جعلت فداك ، ما أفهم هذا الشعر؟ ولا أحسبه مما يتغنّى به.
فقالت : أنا أوّل من تغنّى فيه. قلت : إنما هو بيت عائر (٤)! قالت : معه
__________________
(١) في العقد (يا أخي).
(٢) في الأصل (فقالت).
(٣) في الأصل (وجاءت).
(٤) عائر : لا يعرف من قائله. يقال للسهم : عائر ، إذ لم يدر راميه. وكذا الحجارة. وجمعها : عوائر.
تاج العروس ٣ / ٤٢٨. وجاءت هذه اللفظة في العقد (عابر) بالباء.