(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ)
وهذا الاستفهام للتقرير ، فالمعنى : أنّك لا بد أن تعلم يقينا ، كما يعلم الذي يرى شيئا بعينه ، ولكن كيف نعلم بهذه الحقيقة علم من يرى شيئا؟ إنّما بالنظر في آيات الله في الخليفة ، فكلّ ما في السموات والأرض يشهد على أنّه سبحانه حي قيّوم شاهد حاضر. أو يمكن لأحد أن يدبّر هذه الكائنات بهذا النظام الحسن الدقيق من دون أن يحيط علما وقدرة بها؟
(ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ)
وتصريح السياق بعدد الثلاثة والخمسة ، وإن كان ينبغي حمله الآن على التمثيل ، إلّا أنّه لا ريب له حقيقة خارجية في التاريخ من واقع المنافقين ، على أنّ الجلسات تتمّ عادة بالثلاثة والخمسة وأيّ عدد وتر لما فيه من إمكانية التصويب بسهولة. وقال بعضهم : إنّ في هذا التعبير بلاغة نافذة إذ لم يتكرّر العدد ، ونجد نظيره في القرآن ، ولكنّ القرآن لم يحصر علم الله بهذا العدد فقال :
(وَلا أَدْنى مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ ما كانُوا)
خارجا عن الحد عددا وزمانا ومكانا ، لأنّه سبحانه قد تعالى عن الكيف والأين والعدد التي هي من صفات المخلوق.
قال الإمام علي (عليه السلام) : «فإنّما أراد بذلك استيلاء أمنائه بالقدرة التي ركّبها فيهم على جميع خلقه ، وأنّ فعلهم فعله» (١)
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ٢٥٨